أصول المعتزلة خمسة وهي: الأصل الأول: التوحيد: ويريدون به نفي الصفات، يقولون: إن الله إذا أثبتنا له سمعاً وبصراً وعلماً وحياةً وقدرةً، فما أثبتنا واحداً بل أثبتنا عدداً، فلا نثبت إلَّا واحداً، حتى نكون بذلك موحِّدين.
يرد عليهم بأن يقال: إن الصفات من جملة الذات، فلا يكون هناك تعدد.
فالحاصل أن أصلهم الأول: التوحيد الذي ضمَّنوه نفي الصفات.
الأصل الثاني: العدل: وهو الأصل في هذا الكتاب الذي صنفه القاضي عبد الجبار منهم.
والعدل عندهم معناه: نفي قدرة الله على أفعال العباد، يقولون: إن الله لا يخلق الذنب ثم يعاقب عليه، بل العبد هو الذي يخلق فعل نفسه، فنفوا أن الله يهدي من يشاء، ويضل من يشاء.
الأصل الثالث: المنزلة بين المنزلتين: وهو أن أهل الكبائر ليسوا بمسلمين ولا بكفار، بل في منزلة بينهما، ولا أدري من أين جاءوا بهذه المنزلة، وأهل السنة يقولون: إنهم مؤمنون ناقص إيمانهم، أو فسقة، أو مؤمنون بأصل الإيمان الذي في قلوبهم، وأما معاصيهم فسموا بها فسقة.
الأصل الرابع: إنفاذ الوعيد: يقولون: الآيات التي فيها وعيد على ذنب لا بد من إنفاذه حتى لا يخلف الله وعده، فإذا وعد أهل الكبائر بأنهم في النار فلا بد أن يدخلوها، ولا يخرجون منها أبداً، فكل ذنب مات صاحبه مصراً عليه فإنه يعتبر كافراً، ويعتبر مخلداً في النار، هذا حكمه في الآخرة، ولذلك ينكرون شفاعة الشافعين ويقولون: ليس هناك شفاعة، من دخل النار من أهل الكبائر لا يخرج منها أبداً، بل هو مخلد فيها.
الأصل الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويضمِّنون ذلك أن كل منكر رأوه فإنهم يقاتلون عليه، حتى ولو كان الذي أظهر المنكر وعمل به خليفةً أو إماماً عاماً أو ملكاً من الملوك، فهم يخرجون عليه، وأخذوه من معتقد الخوراج، فهم يستبيحون الخروج على الأئمة بمجرد الذنوب، وقد خالفهم أهل السنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الأمراء العصاة ونحوهم: (اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك) ، ويقول في الولاة ونحوهم: (عليكم بالسمع والطاعة -أي: لولاة الأمور مهما كانت حالتهم- في المنشط والمكره، والعسر واليسر، والأثرة -أي: إذا استأثر عليكم بشيء فاسمعوا وأطيعوا- ما لم تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) .
فهذه الأصول الخمسة هي التي بنوا عليها مذهبهم: 1- التوحيد.
2- العدل.
3- المنزلة بين المنزلتين.
4- إنفاذ الوعيد.
5- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
هكذا جعلوها معتقدهم، ودليلهم في ذلك هو العقل، ولا يعترفون بالسمع، والأدلة السمعية إذا جاءت موافقةً لمعتقدهم جعلوها زائدة على قدر الحاجة، كما ذكر الشارح أنهم يمثلونها بالمدد الذي جاء إلى الجيش بعد الاستغناء عنه، لو كان هناك جيشان متقاتلان ومتكافئان، هذا يكافئ هذا، وجاء لهذا الجيش مدد يقويه، فهذا الجيش الذي يقاتل يقول: لا حاجة لنا في هذا المدد، نحن نقدر أن نقاوم عدونا، وأن ننتصر عليه.
فيقول: إن هذه الأدلة التي اعتمدوها هي أدلة عقلية، وجاءت الأدلة السمعية التي هي الآيات والأحاديث فلم يأبهوا بها، ويقولون: نحن في غنىً عنها، أدلتنا العقلية كافية ومقنعة، حيث إنا رجعنا إليها واقتنعنا بها، وجعلناها هي الأصل الأصيل، والأساس لمعتقدنا، ولا شك أن عقائدهم التي بُنيت على هذا العقل متهافتة؛ ولذا كثُر في باب العقائد اضطرابهم، وغلظ عن معرفة الله تعالى حجابهم، وكثر تناقضهم، ورجوع أكابرهم عما كانوا عليه.
تأتي المسألة ويختلفون فيها، هذا يقول: العقل أقرها، وهذا يقول: العقل نفاها، كيف تكون مسألة واحدة ينفيها هذا بالعقل ويثبتها هذا بالعقل؟! فهذا دليلٌ على أن العقول ليست معتمَدة، بل العمدة على السمع، العمدة على الأدلة النقلية التي هي مسموعة مثبتة، جاءت من قبل الله العزيز الحكيم، {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42] ، فهذا هو المعتمَد الصحيح.