الإسلام وسط بين الأمن والقنوط، فهناك طائفة يكثرون من المعاصي والكفريات والبدع وهم آمنون، ويصدق عليهم قول الله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:99] .
وآخرون غلب عليهم اليأس والقنوط، ووقعوا في معاصٍ وكبائر؛ ولكنهم قطعوا الرجاء، وانقطعوا انقطاعاً كلياً عن التوبة، وأيسوا من قبولها، واعتقدوا أنهم لا تنفعهم التوبة ولا تُقبل منهم، واعتقدوا أنهم لا ينفعهم أي عمل عملوه، فهؤلاء هم الذين قال الله فيهم: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ} [يوسف:87] .
كذلك وسط في أفعال العباد بين القدرية وبين المجبرة، فالمجبرة هم الذين يقولون: ليس للعبد اختيار، بل هو مجبور على أفعاله، ليس له أية حركة، بل حركاته كحركات الأشجار التي تحركها الرياح، فلا طاعة تنسب إليه، ولا معصية تنسب إليه.
وطائفة أخرى عزلوا الرب تعالى عن الأفعال التي تتعلق بالعباد، فنفوا عنه القدرة التامة، ونفوا أنه يهدي ويضل؛ نفوا أنه يهدي هذا ويضل هذا، أو يعين هذا ويخذل هذا، وجعلوا العبد هو الذي يهدي نفسه، أو يضل نفسه أو يفعل باختياره بدون أن يكون لله قدرة عليه، فهؤلاء في طرف، وهؤلاء في طرف، وتوسط أهل السنة بينهم وجعلوا للعبد قدرة، وله إرادة واختيار، وجعلوا تلك القدرة خاضعةً لقدرة الله، مغلوبة بقدرته.
فهذا معنى كون الدين الإسلامي بين الغالي والجافي، وبين القدري والجبري، وبين المشبِّه والمعطِّل، ونحو ذلك، أي وسط بين الطرفين.