هذا الكلام يوضح ما قلنا: من أن الإرادة قسمان: إرادة دينية شرعية أمرية، وإرادية كونية قدرية خلقية.
والفرق بينهما: أن الإرادة الكونية لا بد من وجود المراد فيها، فكل شيء أراده الله كوناً وقدراً فلا بد من وجوده، ولكن قد يحبه وقد لا يحبه.
والذي يريده شرعاً وديناً قد لا يوجد، فالطاعات والأعمال الصالحة أرادها الله ديناً وشرعاً من جميع الخلق، وأحبها منهم، ولكن قد تحصل من بعضهم وقد لا تحصل من البعض الآخر.
فيقول: إن الله أراد من فرعون وأبي لهب أن يؤمنا؛ أراد ذلك ديناً وشرعاً وأمراً، ولكن ما أراد ذلك كوناً ولا قدراً ولا خلقاً، فلذلك لم يوجد منهما الإيمان والأعمال الصالحة.
وأراد من الأنبياء وأتباعهم الإيمان ديناً وشرعاً، وأراده منهم كوناً وقدراً فوجد.
فكل الأعمال الصالحة محبوبة عند الله، وإذا وقعت فإنها مرادة ديناً وشرعاً، ومرادة كوناً وقدراً، وكل الحوادث حتى المعاصي والكفر والمخالفات، فهي واقعة لإرادة الله الكونية القدرية الخلقية، ولكنها ليست محبوبة ولا مَرْضية ولو كان الله قد أرادها، قال تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر:7] ، فأخبر بأنه لا يرضى الكفر ولكن يرضى الشكر.