كان أهل المدينة قبل الإسلام مختلفين، ويقع بينهم قتال كثير، ويستمر القتال حتى يُقتل فيه أعداد من هؤلاء وهؤلاء.
ولما جاء الإسلام زال ذلك الاختلاف، وزالت تلك الفرقة، واجتمعوا على الإسلام، فذكَّرهم الله تعالى بذلك في قوله: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعَاً} [آل عمران:103] أي: تمسكوا بحبل الله الذي هو دين الإسلام.
{وَلا تَفَرَّقُوا} أي: لا تكونوا فرقاً وأحزاباً.
{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانَاً} [آل عمران:103] : فجعلهم إخوة وهو حق، فإنهم بعد أن دخلوا في الإسلام أصبحوا مثل الإخوة متحابين، وهكذا أصبحوا يحبون كل مؤمن، لما جاءهم المهاجرون صاروا يحبونهم كما يحبون إخوانهم أولاد آبائهم وأمهاتهم، كما ذكر الله ذلك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} [الحشر:9] يحبون المهاجرين، بل يقدمون محبتهم على محبة أنفسهم، كما في قوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9] .
وما ذاك إلا أنهم عرفوا أن الله يحبهم فأحبوهم، ما دام أن الله يحب المؤمنين فإننا نحبهم، وما دام أنهم يحبون الله، ويحبون رسول الله فإننا نحب من يحب الله، نحب من يحب الرسول عليه الصلاة والسلام، وإذا ثبتت هذه المحبة فلا بد أن لها آثارها، وهي: الاجتماع، أن نكون مجتمعين غير متفرقين، أهدافنا موحدة مقاصدنا محددة كل منا على الإسلام كل منا يعبد الله ويعرف الله، ويعرف دين الله ويدين به، وكل منا على عقيدة واحدة، وعلى شريعة واحدة وهي: شريعة الإسلام.
هكذا كان الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الشريعة، وكذلك في عهد أبي بكر، وفي عهد عمر، وفي عهد عثمان، كانوا على هذه الشريعة، لم يكن بينهم أي اختلاف يسبب التقاطع والتباغض والعداوات.