كتابة الحسنات للمجانين

هل تكتب للمجانين حسنات؟

صلى الله عليه وسلم لا تكتب لهم حسنات، ولا تكتب عليهم سيئات، ولكن تسقط عنهم التكاليف، وثوابهم في الآخرة على ما يشاء ربنا، فيمكن أن يلحقوا بأهل الفترات الذين لم تبلغهم الدعوة في أطراف البلاد، أو الذين لم يدركوا رسلاً قبلهم، ولم يأتهم رسل في زمان الفترة، فإنهم يقولون: يا رب! ما جاءنا بشير ولا نذير، وما بلغتنا دعوة الرسل، فكيف تعذبنا؟! فيقول الله تعالى: أرأيتم إذا أمرتكم أتطيعوني؟ فيقولون: وما لنا لا نطيعك؟ فتمثل لهم نار تشتعل، فيقول: ادخلوا هذه النار، فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً، وصار من أهل الجنة، ومن امتنع أن يدخلها قال الله له: هذا وأنا الذي أمرتك، فعصيت أمري، فكيف لو جاءتك رسلي؟! فعلم الله في هؤلاء أنهم ممن حقت عليهم كلمة العذاب، فالمجانين الذين ولدوا مجانين، أو أصابهم الجنون بعد الولادة وقبل التكليف، وبقوا على ذلك، فهؤلاء يلحقون بأهل الفترات، ويمتحنون في الآخرة.

أما أن يقال: إنهم مقربون، أو إن لهم مكانة عند الله، أو إنهم من أهل الزلفى، أو إنهم ممن وصلوا إلى حظيرة القدس! فإن هذا كذب؛ بل هم أقل حالة بكثير من العقلاء، ولا شك أنهم عادةً إذا أصاب أحدهم الجنون في أثناء حياته، فإن كان قبل إصابة الجنون من أهل الفسوق، ومن أهل المعاصي، ومن أهل الذنوب، ومن أهل الجرائم الذين يسكرون، ويقتلون، ويسرقون، ويهجرون، فإنه إذا جُنّ يصير هذيانه فيما كان يفعله من قبل، فتراه يتكلم بأفعاله الشنيعة من فعل الفواحش والمنكرات ونحوها، وإذا ارتاح في وقت من الأوقات ورجع إليه عقله في حين من الأحيان فإنه يعود إلى غيه، كما قال الشاعر: والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه إذا ارعوى عاد إلى قوله كدبٍّ عاد إلى نكسه أما إذا كان قبل الجنون من أهل الإيمان والأعمال الصالحة، وأهل التقوى؛ فإنه -والحال هذه- إذا أصيب بالجنون ثم بقي على جنونه أصبح معذوراً، ولا تزيد حسناته في حالة جنونه؛ بل يرفع عنه التكليف، وعادة أنه يهذو بما كان يعمله، فيتكلم في الحسنات، ويتكلم في القربات، وما أشبه ذلك، وهذا في المجنون الذي فقد العقل فقداً كلياً، وإذا عرفنا أن هذا الجنون نقص حقيقيٌّ فإننا نقول: لا يجوز للإنسان أن يتعاطى الأسباب التي تذهب عقله، فنقول: لماذا حُرم شرب المسكرات؟ الجواب: لأن المسكر يزيل هذا العقل، ولو إزالة مؤقتة.

فالشيء الذي يزيل عقل الإنسان ويلحقه بالبهائم ينبغي مباعدته ومحاربته، فهؤلاء الذين يتعاطون أشياء تزيل عقولهم عمداً سواءً كان ذلك الشيء من المحرمات كالإسكار وما أشبهه، أو من غيرها نقول: إنهم هم السفهاء، ولا يرضى عاقل فعل السفهاء، ولا يرضى أن يتعاطى شيئاً يذهب عليه عقله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015