يقول: إن كلمة القديم عند العرب لا تدل على تقدم الإنسان على غيره كله، وإنما تدل على تقدمه على جنسه، فإذا وجد له جنس جديد سمي الأول قديماً، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس:39] ، فإن العراجين هي قنوان النخل، يعني: العذوق التي يكون فيها التمر، ومتى يكون قديماً؟ إذا حملت النخل مرة ثانية قيل للعراجين التي من العام الماضي: هذه عراجين قديمة.
وكذلك قوله تعالى: {أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ} [الشعراء:76] ، يعني: أن آباءكم قد تقدموا عليكم، ومعلوم أن الآباء قبلهم أجداد وقبل الأجداد أجداد وهلم جراً، فسمي الآباء القريبون أقدمين، فدل على أن القديم لا يدل على السبق المطلق، وإنما يدل على سبق بعض الجنس.
فالوصف بأن الله هو الأول أبلغ من الوصف بأنه القديم، وهذه الكلمة (الأول) تعطي معنى الأولية، و (الآخر) تعطي معنى الأزلية، يعني الأبدية والديمومة؛ وذلك لأن الله موصوف بأنه دائم أبدي وأزلي، لا يأتي عليه الفناء ولا التغير، وأنه هو كما وصف نفسه بأنه الحي الذي لا يموت: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون) ، يعني: بعد موت الناس في هذه الحياة وفناء المخلوقات يبقى الله تعالى، كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27] ، وقال: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] .
فإذا كان هو الباقي فإنه أيضاً هو الذي يبعث العباد.
وهو سبحانه لا يأتي عليه فناء أبداً، وذلك هو الأصل في الدوام، وهو الأصل في البقاء الذي هو وصف الله وحده.
فيعتقد المسلمون أن ربهم سبحانه الذي خلق هذا الكون لم يسبق بعدم بل هو قديم، وأنه لا يأتي عليه الفناء بل هو دائم، ولكن يعبرون بالأول والآخر، فهما أوضح من القديم والدائم أو الأزلي أو نحو ذلك.