من عقيدة أهل السنة: التفاضل الذي ذكره الله تعالى بين العباد، فأفضل الخلق هم رسل الله، وكذا ملائكته المقربون، وكذا عباده الصالحون.
ومن عقيدة أهل السنة: أنه لا يكون أحد أفضل من الرسل والملائكة من بقية البشر، وخالفت في ذلك الصوفية، فقدموا الأولياء على الأنبياء، ففضلوا الولي على النبي، ومعلوم أن الولي بشر من جنس بني آدم، وأنه لم يخرج عن البشرية، ولم يخرج عن كونه آدمياً، وكذلك أيضاً لم يصل إلى رتبة الأنبياء، فلم ينزل عليه الوحي، لا وحي إلهام، ولا وحي بواسطة ملك، وإن كان قد يجري الله على يديه شيئاً من الكرامات: إما لفضله، وإما لحاجته، وإما لإقناع خصم أو نحو ذلك.
وأولياء الله تعالى هم عباده الصالحون المؤمنون المتقون، فهؤلاء كلهم أولياء الله؛ لقوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس:62-63] ، فكل المؤمنين المتقين أولياء لله، ولكنهم يتفاوتون في الإيمان، ويتفاوتون في التقوى، وبعضهم أقوى إيماناً من بعض، وأقوى تقى من بعض، فيكون له ميزة وفضيلة على غيره، فيحصل على الرفعة والقرب، وتحصل له أيضاً كرامات يجريها الله على يديه.
شيخ الإسلام ابن تيمية ألف كتابه المشهور: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان؛ وذلك لأنه كثر في زمانه الذين يفضلون الأولياء، ويجعلون لهم صفات يتحلون بها، وكل من جرت على يديه كرامة اعتقدوه ولياً، وقد ذكر رحمه الله في هذا الكتاب أنواعاً من الكرامات التي جرت على أيدي بعض الصالحين، ومن تلك الكرامات وخوارق العادات: أن فلاناً -وسماه- كان قد أصيب بالفالج، الذي هو موت وعيب أحد جانبيه، سأل ربه أن يطلق أعضاءه وقت الطهارة والصلاة فاستجاب الله دعاءه، فكان كلما دخل وقت الصلاة قام كأنه أنشط الناس، وتوضأ وصلى، فإذا انتهى من الصلاة رجعت أعضاؤه إلى خدرها وإلى موتها بحيث لا تتحرك! وهكذا قصة الذي كان غازياً، وكان راكباً على حمار، فمات حماره، فسأل ربه أن يحييه له حتى لا يقبل منة أحد، فأحياه الله له، فركبه وحمل عليه متاعه، ولما وصل إلى أهله وأنزل متاعه عنه، قال: يا بني! خذ ما على الحمار فإنه عارية، فبمجرد ما أخذ ما عليه مات الحمار! وكان إحياؤه له كرامة له.
وأما الذين استجيبت أدعيتهم، فأكثر وأكثر: منها: أن سعيد بن جبير كان عنده ديك يوقظه للصلاة، فذات ليلة ما صاح الديك، فلما أصبح دعا عليه وقال: ما له قطع الله صوته، فلم يصح الديك بعدها بقية حياته، فقالت أمه: يا بني! لا تدع على أحد فتصيبه دعوتك! فهذه دعوة رجل صالح.
ووقعت قصص كثيرة من بعدهم، ومن قرأ الكتب التي كتبت في تراجم عباد الله الصالحين وقصصهم يجد منها عجائب، مثل كتب ابن رجب رحمه الله، كشرح الأربعين الذي يسمى: جامع العلوم والحكم، فإنه يذكر فيه عجائب من جنس هذا، منها قصة ذلك الرجل الذي ذهب ليشتري لأهله من بلاد بعيدة قمحاً، فلما لم يكن عنده ثمن، ولم يجد من يقرضه، ولا من يبيعه بدين رجع وليس معه شيء، فلما أقبل على أهله، مر بكثيب رمل، فقال: لماذا لا آخذ من هذا الرمل في أكياسي حتى لا يقال: رجع خائباً، فلما أنزل تلك الأكياس التي فيها ذلك الرمل، جاءت امرأته وفتحت أحدها، ووجدته قمحاً طيباً أحسن ما يكون، فطحنت منه وخبزت، فسألها: ما هذا الخبز الذي أجد رائحته؟ فقالت: من البر الذي أتيت به، فحمد ربه أنه لم يخيب سعيه، وكان ذلك البر غاية في الجودة، بحيث إنهم إذا بذروا منه تخرج الزرعة من أصلها إلى فرعها كلها سنابل من أحسن ما يكون، استجابة لدعوة ذلك الرجل الصالح! وذكر لنا بعض الإخوان: أن بلاداً فيها بعض الرافضة وبعض السنة، فكان الرافضة إذا جاع الطفل يقولون له: ادع علياً حتى يعطيك طعاماً، فإذا دعا علياً قربوا له تمراً وخبزاً، وقالوا: هذا جاءك به علي، فأهل السنة قالوا: نعود أبناءنا على أن يدعو ربهم، فإذا جاع الصبي قالوا: ادع ربك يا ولدي حتى يعطيك طعاماً، فإذا دعا ربه، قالوا له: ائت ذلك المكان أو خذ الطعام من تحت ذلك الطبق تجد فيه طعاماً من ربك، فيذهب إليه ويجده، فذات يوم غفلوا عنه، فجاء الطفل ولم يعدوا له طعاماً، وكان قد اعتاد الدعاء، فاستقبل القبلة وقال: يا رب! هيئ لي طعاماً آكله في هذا الوقت، فذهب فكشف الطبق وإذا فيه خبز من أحسن الخبز، فأكله حتى شبع، فجاء أهله وقد أسفوا على أنهم لم يجعلوا له طعاماً، فقالوا: من أتاك بالطعام؟! قال: دعوت ربي فجاءني بطعام كما كنت أدعوه، فهذه كرامة وآية من آيات الله.
ولا شك أن أمثال ذلك كثير، يجريه الله تعالى على أيدي الصالحين من عباده.