أهل وحدة الوجود في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية تمكنوا وظهروا وكثروا، وكثر أتباعهم وأعوانهم، فلا جرم رد عليهم بعدد من رسائله، فكتب رسائل في الرد على أهل وحدة الوجود، لما سئل عن أحوالهم، ولما رفع إليه كثير من أشعارهم في ذكر مقالاتهم التي تبين ما هم عليه من العقائد: سواء كان نظماً صريحاً، أو نظماً خفياً، وكان من آثار رده عليهم أن حذر الناس منهم، ووقعت بينه وبينهم مناظرات في ملطة، وفي دمشق، وظهر عليهم وغلبهم، حتى أنهم مرةً جاءوا ليناظروه، وقالوا: نحن أولياء الله، ومن علامة ولايتنا: أننا لو دخلنا في هذه النار التي تشتعل لم تحرقنا، فجاء إليهم شيخ الإسلام وأخذ يناظرهم، ويحتج عليهم بالأدلة، ويقول: أنا أدخل وإياكم في هذه النار، وننظر أينا يحترق، ولكن اغسلوا جلودكم بالصابون وبالسدر وبالمزيل الذي يزيل ما فيها، وكان قد عرف أنهم يطلون جلودهم بأنواع من أدهان بعض الدواب التي لا تحرقها النار، فإذا دخلوا في النار لم تحترق أجسادهم لذلك الدهن الذي عليها، فلما قال لهم ذلك امتنعوا، وظهر بذلك دجلهم وكذبهم.
وعلى كل حال كتب فيهم عدة رسائل، وحذر منهم العلماء بعده وقبله، وبهذا يعرف أن هذا المذهب هو كرب الأولياء، وأن قول الاتحاديين: الأولياء أفضل من الأنبياء قول باطل.
هناك من أولياء الله من خصهم الله تعالى بأنواع من الكرامات، ولا ننكر أن من خيار عباد الله، ومن الأتقياء الأنقياء من أجرى الله على أيديهم كرامات وخوارق عادات، تدل على قربهم وعلى أفضليتهم، وعلى أنهم مستجابة دعوتهم، وقد ألفت كتب في كرامات الأولياء، سواء في تراجم بعضهم أو في نفس الوقائع التي تقع، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جانباً كبيراً منها في كتابه الذي ذكرنا: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، فذكر كرامات كثيرة لبعض الصالحين، من أراد معرفتها قرأها، وسيجد فيها أن الله تعالى تفضل عليهم واستجاب دعوتهم، وأعطاهم طلبتهم، والشيخ ابن رجب رحمه الله له كتب كثيرة تتعلق بالرقائق وبالرغائب، مثل: استنشاق نسيم الأنس، وكلامه على الشهادة في شرح العروة الوثقى، وكذلك كتابه الكبير الذي هو جامع العلوم والحكم، وقد تعرض لذكر الأولياء والصالحين، وذكر أشياء من كرامتهم التي تجري على أيديهم، والتي تدل على أنهم من المتقبلين، ولما تكلم على حديث: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) إلى قوله: (وما ترددت عن شيء ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن) ذكر وقائع تدل على أن بعض أولياء الله وبعض عباد الله الصالحين يكون موتهم بسهولة، بحيث لا يشعرون أو لا يحسون بالموت؛ وذلك تسهيلاً عليهم، وأشباه ذلك.
وكذلك أيضاً أبو نعيم ألف كتابه: حلية الأولياء، وهو مطبوع في أربعة مجلدات كبيرة، وهو ثمانية أجزاء، ذكر فيه الأولياء، ولكنه توسع في تراجم العلماء ونحوهم، ويذكر بسنده بعض الوقائع وإن كانت ضعيفة لم تثبت، وبهذا ونحوه يعرف أن أولياء الله تعالى هم الصالحون من عباده، كما أن أولياء الشيطان هم الأشقياء الذين خرجوا عن طاعة الله، وابتلوا بطاعة الشيطان.