لما قتل علي بايع أهل العراق ابنه الحسن، تمت له البيعة، وبايعوه بقوة، وكان أهل العراق يحبون علياً محبة شديدة، وبقوا ملتزمين بطاعته، وكانوا يحبون ذريته، فالتزموا أن ينصروا الحسن، وأن يبذلوا في نصرته ما يمكنهم، ولما تمت له البيعة، وبقي نصف سنة، أراد معاوية أن يغزوا أهل العراق، فجاء بجنود هائلة، واجتمع أيضاً مع الحسن جنود هائلة عظيمة، ولما أرادوا أن يتقاتلوا فكر الحسن رضي الله عنه وقال: علام نقتل هؤلاء المسلمين؟ يقتل عشرات ألوف أو مئات ألوف لأجل الخلافة ولأجل الولاية، لا بورك فيها ولا خير فيها، لماذا لا أتنازل وأحقن دماء المسلمين؟ وعند ذلك أرسل إلى معاوية: إنني سآتي إليك، فجاء إليه، وقال: سأبايعك وأتنازل لك عن هذه الخلافة، واشترط عليه شروطاً: ألا يقتل أحداً، لا من قتلة عثمان ولا من غيرهم، يكفي ما قد حصل من الفتن ومن القتال، وألا تسبّوا أحداً منا ولا نسب أحداً منكم، لا نسب عثمان ولا تسبوا علياً، وأن نكف عن هذه الفتن، فقبل تلك الشروط، وتمت البيعة سنة إحدى وأربعين لـ معاوية، وسمي ذلك العام: عام الجماعة، واجتمعت فيه الأمة على إمام واحد وهو معاوية؛ ولذلك يقولون: الخلافة ما قبل الحسن، والملك ما بعده، وفي حديث سفينة يقول صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكاً) وفسره سفينة فقال: احسب سنتين وأربعة أشهر خلافة أبي بكر، وعشر سنين ونصفاً خلافة عمر، وثنتا عشرة خلافة عثمان، وأربع سنين ونصف خلافة علي، ونصف سنة خلافة الحسن، فمجموعها ثلاثون، أو تنقص أو تزيد قليلاً، وما بعده فهو ملك، وأول ملوك الإسلام معاوية، وهو أفضل وخير ملوكهم؛ وذلك لأنه صحابي وابن صحابي، ولأن سيرته سيرة حسنة، إلا أنه أخطأ حيث أمر أو أقر من يسب علياً، وحصل بسب علي في خلافته سواء في العراق أو في الشام حدوث هذه الطائفة التي تعصبت لـ علي، واخترعت أكاذيب في سب الصحابة وفي الغلو في علي؛ ولأجل ذلك صارت الرافضة تحمل عليه، وتحمل على جميع بني أمية وتضللهم، ما عدا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؛ وذلك لأن سب علي استمر في العراق، وإن لم يكن في كل الأماكن، بل في بعض المساجد، وكذلك في الشام مدة خلافة بني مروان، إلى أن تولى الخلافة عمر بن عبد العزيز، فعند ذلك أبطل سبه، وهو الذي مدحه بعض أهل البيت على هذا الفعل، فنسب إلى المرتضى وهو من أهل البيت أنه قال: يا ابن عبد العزيز لو بكت الـ عين فتىً من أمية لبكيتك أنت أنقذتنا من السب والشتم فلو أمكن الجزاء جزيتك غير أني أقول لقد طبت وإن لم يطب ولم يزك بيتك دير شمعان لا عدتك العوادي خير ميت من آل مروان ميتك وكان قد دفن رضي الله عنه في دير شمعان.
وبعده انقطع السب، ولكن حدثت هذه الطائفة التي هي الرافضة، وكان سبب سبهم لـ علي رضي الله عنه تسويل الشيطان لهم بأنه من جملة الذي داهنوا في قتل عثمان، أو شاركوا فيه، فصاروا يسبونه ويشتمونه على المنابر، وصار أولياؤه وشيعته يتحرقون عندما يسمعون كلامهم، ويجمعون أكاذيب في سب بني معاوية، وفي سب بني مروان، بل وفي سب الخلفاء الراشدين، وفي الغلو في علي رضي الله عنه، ولا حاجة لـ علي في أكاذيبهم؛ فله فضائل كثيرة، وله مناقب شهيرة، هو غني بها عما لفقوه وزادوا عليه، حتى جعلوا له ما لا يستحقه.