للعلماء في الخلفاء الراشدين مسألتان: المسألة الأولى: مسألة ترتيبهم في الخلافة، فإجماع الأمة الإسلامية خلافاً للرافضة على أن الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر، ثم الخليفة بعد أبي بكر هو عمر، ثم الخليفة بعد عمر هو عثمان، ثم الخليفة بعد عثمان هو علي، وهؤلاء هم الخلفاء الراشدون، ومن طعن في خلافة أحد منهم فهو أضل من حمار أهله.
اتفق أهل السنة على أنهم الخلفاء على هذا الترتيب، إلا أن الرافضة زعموا أن أبا بكر مغتصب للخلافة وكذلك عمر وعثمان، وأنهم ليسوا خلفاء، ولا يستحقون الولاية ولا الخلافة، بل زادوا أن كفروهم وشتموهم، وأخرجوهم من الإسلام، وجعلوهم منافقين، وطبقوا عليهم الآيات التي في المنافقين، ولكن أهل السنة -والحمد لله- على عقيدة موحدة في الاعتراف بخلافة الخلفاء الراشدين.
المسألة الثانية: مسألة ترتيبهم في الفضل، وقد تواتر عن علي رضي الله عنه -الذي تغلو فيه الرافضة- أنه قال: أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم بعد أبي بكر عمر ولم يختلف الصحابة في تفضيل أبي بكر ثم عمر، ولم يختلف أهل السنة في ذلك، فيقولون: أفضل الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر، ويروون ذلك مسنداً، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، أي: يعترف بهذا الترتيب، وقد رجح أكثر أهل السنة أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة، ولكن وقع خلاف في الترجيح بين علي وعثمان، فقوم قدموا عثمان، وهو القول الصحيح، وقوم قدموا علياً، وهذه المسألة وهي: هل يقدم علي على عثمان أو يقدم علي على عثمان -يعني: في الفضل- مسألة اجتهادية، لا يضلل من قدم علياً، ولا يضلل من قدم عثمان، وأما تقديم الشيخين فلا خلاف في تقديمهما، ويضلل من قدم عليهما أحداً من الصحابة أو من غير الصحابة.
وقد عرفنا خلافة أبي بكر وخلافة عمر، وأنها منصوصة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر) ، وهذه إشارة واضحة إلى أنهما اللذان يليان الخلافة بعده، والواقع وقع كذلك، ولعل عهد أبي بكر إلى عمر كان اعتماداً على هذا الحديث، أو اعتماداً على الأهلية والكفاءة، وقد وافقه الصحابة على هذا التقديم؛ وذلك لأهلية عمر، ولكفاءته، ولما رأوا فيه من زهد في الدنيا، وتقشف، وعبادة لله تعالى واجتهاد، ولما رأوا فيه من حنكة وحذق، ومن حزم وقوة، ومن عقل ومتانة وإدراك وفهم قوي، فكان أهلاً لهذه الخلافة، وقد ظهر أثر هذه الصفات بعد أن تولى الخلافة التي امتدت عشر سنين، وكلها كانت جهاداً، يجاهد بنفسه، فقد خرج إلى الشام مرتين، ويجاهد بآرائه ونظره، ويجهز جيوشه، ويرسل إليهم التعليمات فيعملون بها، ويحثهم على الصبر فيصبروا، ويوجههم توجيهات سديدة، وكان من آثارها أن انتشر الإسلام، وانتصر المسلمون انتصاراً عديم النظير، ومكّن الله للمسلمين، ونصرهم وأيدهم وقواهم، وظهر أمر الله، ولو كره الكافرون.
وكان من آثارها أن انتشر العلم؛ وذلك لأنه رضي الله عنه كان من أوعية العلم وحملته، وأرسل الدعاة إلى البلاد التي أسست في زمانه، والتي فتحت، وأرسل المعلمين، وأخذ يراسلهم ويكاتبهم، وعين القضاة والمرشدين؛ وكل ذلك لأجل أن يظهر دين الله، وأن ينتصر المسلمون على أعدائهم، وصدق الله: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:33] .