في هذه البلاد -المملكة- معلوم أن المناهج الدراسية موحدة بالنسبة إلى طلاب السنة والشيعة، ولكن علماؤهم الذين يخفون أنفسهم -وربما أظهروا أنفسهم في هذه الأزمنة- يحرصون على ألا يقع في أيدي أبنائهم وأولادهم شيء من التعاليم التي يتلقونها من المدرسين السنيين، فإذا درس الطلاب الشيعيون في هذه المدارس أشياء تتعلق بالعقيدة وتتعلق بسير الصحابة، وخرجوا وقد عرفوا ذلك وقرءوه، وأخذوه من تلك المناهج والكتب الدراسية؛ عرضوه على شيخ لهم أو على كبير لهم، فأخذ ينتقد هذه، ويصوب هذه، ويخطئ هذه، ويقول لهم: هذا لا تعتقدوه، وهذا لا تقولوا به، وهذا ليس بصحيح، وهذا يخالف معتقدكم، وهذا يخالف سيرتكم، ولا يزال بأولئك الطلاب حتى لا يبقي أثراً في قلوبهم مما تلقوه من علمائهم السنيين؛ حتى يبقوا على معتقد آبائهم وأجدادهم وأسلافهم الباطل السيئ.
وقد ذكر لنا بعض الإخوان أنه كان هناك مدرس من أهل السنة في إحدى البلاد التي يغلب على أهلها التشيع، فلما عقل أولئك الطلاب وتفتحوا، ورأى أن فيهم ذكاء وإقبالاً رأى أن يناقشهم بالدليل، ويناقشهم بالقرآن، ويناقشهم بالسنة الصحيحة، وأخذ يجعل لهم مجالس أسبوعية يقرر لهم الحق ويقول لهم: نحن مع الحق أينما كان، إن كان معكم فائتونا به، وإن كان معنا أتينا به، ونحن نتبعه أينما كان، ولكن بعدما استمر شهراً أو شهرين، ورأى آباءهم أنهم قد اقتنعوا بعض الاقتناع بكلام هذا الشيخ، وأنه غير شيئاً من معتقدهم؛ عمد الآباء إليه فطردوه وأبعدوه من بلادهم، وقالوا: إنك أوشكت أن تغير معتقد أبنائنا، رغم أنهم كلما أخذوا منه توجيهات عرضوها على آبائهم ومشايخهم، فلما رأوا أنها حجج قوية تكاد أن تغلبهم قالوا: هذا سوف يفسد أخلاقهم ومعتقدهم، وليس لنا حيلة إلا أن نبعده ونطرده.
وكذلك هم يحاولون اضطهاد أهل الخير، ويحاولون ألا يكون لأهل السنة قوة ولا نفوذ ولا تسلط ولا قدرة على شيء، وقد ذكر لنا بعض الإخوان أنه في مدرسة من المدارس قرب المدينة النبوية اتفق المدير والمدرسون -وكلهم شيعة- على ألا يدرس الأولاد في المرحلة الابتدائية إلا دروساً قليلة، فلا يعلمونهم هجاءً، ولا يعلمونهم كتابة، ولا إملاءً، ولا تجويداً، ولا قرآناً، ولا حساباً، ولا غير ذلك، وأن ينجحوهم في آخر السنة وإن كانوا لا يعرفون شيئاً، ويأتي المدرس ويقف أمام الطلاب ويبقى يتكلم معهم كلاماً عادياً، ولا يفتح عليهم بكلمة حتى تنتهي السنة الدراسية، فإذا انتهت نجحوهم كلهم، وهم لا يعرفون شيئاً، ولما انتهوا من المرحلة الابتدائية وواحدهم لا يحسن أن يكتب اسمه، ولا يعرف حساباً، ولا غير ذلك، والتحق بالمتوسطة؛ إذا هو لا يحسن شيئاً، ولا يعرف شيئاً، فيقول: ماذا أفعل وزملائي قد تفوقوا علي، فهم يعرفون وأنا لا أعرف، عند ذلك يتعقد ويترك الدراسة؛ لأنه لا يستطيع أن يعود للدراسة في السنة الأولى وعمره قد جاوز الثانية عشرة أو نحوها، عند ذلك يتركون الدراسة ويتعقد أحدهم، فهذه حيلة من حيل أولئك، لما تولوا هذا العمل وهو التدريس.
فهم في الحقيقة أعداء للسنة، وأعداء لأهلها، يحاولون أن يفرضوا أنفسهم، ويحاولون أن يظهر لهم النفوذ والقوة، ولكن كما قال الله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:8] .