كان العلماء الأولون منتبهين للرافضة في القرون الأولى، وقد كانوا يتسترون في تلك الفترة -القرن الأول والقرن الثاني والثالث- ولا يظهرون أمرهم، ولكن مع الأسف تولوا ولايات، ووثق بهم أكثر العامة، وصاروا يروون عنهم تلك الأخبار، وصار منهم أخباريون، وإن لم يكونوا من غلاتهم، فلذلك دخل الكذب في كتب التاريخ؛ بسبب الرواية عنهم أو عن كثير منهم، فتجدون مثلاً أن كتب التاريخ -حتى فيما يكتبه أهل السنة- مملوءة بما يدل على أنه من الرافضة، فمن المشهورين في نقل الأخبار وحفظها رجل شيعي يقال له: لوط بن يحيى، ويشتهر بـ أبي مخنف، يروون عنه في كتب التاريخ، ويقول ابن جرير: قال أبو مخنف وذكر أبو مخنف، هذا الراوي يُذكر أنه من أهل السنة، ولكنه يميل إلى الشيعة، دليل ذلك أنه يتتبع أخبار أهل البيت، ويبالغ في نقلها، ويطيل فيها، ويتابعها المتابعة الزائدة، ويستقصي أخبارها، فمثلاً: في تاريخ ابن جرير ذكر واقعة قتل الحسين، وهي حادثة واحدة، حيث قتل ومعه من أهل بيته نحو الأربعين، وهذه الواقعة كان يكفيها ثلاث صفحات أو أربع صفحات، ولكن استغرقت نصف مجلد -أي: أكثر من مائتين وخمسين صفحة- في تاريخ ابن جرير، وذلك بسبب اعتماده على نقل كلام هؤلاء الأخباريين، وابن جرير رحمه الله من أهل السنة، ولكن بلاده طبرستان بإيران كانت مليئة في زمانه بهؤلاء الرافضة، فكانوا يدخلون عليه شيئاً من أخبارهم -وإن كان محدثاً ومفسراً وإماماً- فينخدع بهم، وقد ألف بعضهم كتاباً يقع في مجلدين في غدير خم، يقول ابن كثير: ذكر فيه ما لا يصلح أن يذكر، وحشد فيه الطيب والخبيث، والغث والسمين، والصحيح والسقيم، واستوفى فيه كعادة المؤلفين في ذلك الوقت، فكثرت عنده تلك الأخبار، كدليل على أن أخبار الرافضة في ذلك الزمان قد كثرت، وفي القرن الثالث استولى على العراق -بل وعلى مصر وعلى إيران ونحوها- بنو بويه، فأسسوا دولة رافضية، وقد تسلطوا في زمن خلافة بني العباس، وأعلنوا مذهب الرافضة، وزادوا في التوغل فيه، ونشروه النشر الزائد، وانتشر في زمانهم وتمكن، فتمكن في العراق؛ لأنها وطنهم، وتمكن في إيران وفيما بعدها، وصاروا يدعون إليه بالقول وبالفعل، ويشجعون كل من يعتنقه، ويولونه الولايات، ولا شك أن هذه من الدعايات في تمكين هذا المذهب، وإلا فهو مذهب باطل خبيث، ولما تمكن وكثر معتنقوه صار لهؤلاء مراجع ومؤلفات، فصاروا يؤلفون الكتب لتقرير مذهبهم، ويدرجون فيها ما لا يصدقه العقل، فانتشر هذا المذهب، وانتشرت كتبهم، حتى صار عندهم الآن من الكتب في العراق وفي إيران ما لا يحصيه العباد، وكلها تركز على تأييد هذا المذهب.
كذلك لما انتشرت تلك المؤلفات فيما بينهم، وكثر المؤلفون، تمكن هذا المذهب وظهر وقوي، وانخدع به من انخدع، ولا يزالون يخدعون الناس إلى هذا اليوم، ولا يزالون يسعون لجر الناس إلى اعتناق واعتقاد هذا المذهب الباطل إلى هذا اليوم، وينخدع كثير من الناس بحسن معاملتهم وبملاطفتهم وبحسن كلامهم وبمدحهم لأنفسهم، فيظهرون شيئاً من الأخلاق ومن الأدب ومن الصدق في الوعد، ومن كذا وكذا، فيجتذبون الناس بمثل هذه المعاملة الحسنة، وإلا فالأصل أنهم كفرة، وعقائدهم سيئة، نقول هذا بموجب ما يحكى لنا عنهم، ولا أتجرأ أن أذكر تلك الحكايات التي يذكرها لنا بعض الإخوان الذين اشتغلوا معهم في المنطقة الشرقية في شركة (أرامكو) وغيرها من احتيالهم على أهل السنة، ومقتهم وبغضهم لهم، وحقدهم عليهم، وحرصهم على أن يوصلوا إليهم كل ضلال وكل شر، ورغم ذلك ينخدع الكثير بإعلاناتهم وبدعاياتهم أنهم مسلمون، وأنهم على مذهب متبع ومعترف به, وأنهم وأنهم يذكر لنا بعض المشايخ الذين جاءوا إلى الأحساء أنهم وجدوا أهل الأحساء يعتقدون أنهم مسلمون، وليس بينهم من الفرق إلا كما بين من يقول: إني شافعي وإني مالكي، ولم يدروا أنهم ضلال وكفار حتى ظهر لهم الحق.
لا شك أن هذا هو المعتقد السيئ عندهم، نقول: لما كان كذلك اهتم العلماء رحمهم الله بذكر فضائل السلف وفضائل الصحابة رضي الله عنهم، وذكروا ذلك في عقائدهم، كما ذكر ذلك صاحب هذه العقيدة الذي هو الإمام الطحاوي رحمه الله تعالى، وكما ذكر ذلك أهل العقائد نظماً ونثراً، فيقول مثلاً أبو الخطاب الكلوذاني في عقيدته: قالوا فمن بعد النبي خليفة قلت الموحد قبل كل موحد حاميه في يوم العريش ومن له في الغار مسعد يا له من مسعد يعني: أبا بكر، ثم ذكر خلافة من بعده من الخلفاء إلى أن وصل إلى خلافة علي رضي الله عنه، وهو رابعهم: قالوا فرابعهم فقلت مجاوباً من حاز دونهم أخوة أحمد يعني: علي رضي الله عنه، فعلى هذا اهتم السلف بذكر فضائل الصحابة في العقيدة؛ لأن الكتاب ما جاءنا إلا بواسطتهم، والأحاديث النبوية ما وصلنا إلا عن نقلهم، فإذا كانوا كفاراً -كما يقولون- فإن أخبارهم لا تقبل!