وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ أَحَادِيثُ فِي السُّنَنِ: مِنْهَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ» (?). وَرُوِيَ فِي ذَمِّ الْقَدَرِيَّةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ كَثِيرَةٌ، تَكَلَّمَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ رَفْعِهَا، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ، بِخِلَافِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَمِّ الْخَوَارِجِ، فَإِنَّ فِيهِمْ فِي الصَّحِيحِ وَحْدَهُ عَشَرَةُ أَحَادِيثَ، أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْهَا ثَلَاثَةً، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ سَائِرَهَا. وَلَكِنَّ شَبَهَهُمْ لِلْمَجُوسِ ظَاهِرٌ، بَلْ قَوْلُهُمْ أَرْدَأُ مِنْ قَوْلِ الْمَجُوسِ، فَإِنَّ الْمَجُوسَ اعْتَقَدُوا وُجُودَ خَالِقَيْنِ، وَالْقَدَرِيَّةَ اعْتَقَدُوا خَالِقِينَ!!.

وَهَذِهِ الْبِدَعُ الْمُتَقَابِلَةُ حَدَثَتْ مِنَ الْفِتَنِ الْمُفَرِّقَةِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، كَمَا ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الْأُولَى، يَعْنِي مَقْتَلَ عُثْمَانَ، فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ أَحَدًا. ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّانِيَةُ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ أَحَدًا. ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ، أَيْ عَقْلٌ وَقُوَّةٌ.

فَالْخَوَارِجُ وَالشِّيعَةُ حَدَثُوا فِي الْفِتْنَةِ الْأُولَى، وَالْقَدَرِيَّةُ وَالْمُرْجِئَةُ فِي الْفِتْنَةِ الثَّانِيَةِ، وَالْجَهْمِيَّةُ وَنَحْوُهُمْ بَعْدَ الْفِتْنَةِ الثَّالِثَةِ. فَصَارَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا - يُقَابِلُونَ الْبِدْعَةَ بِالْبِدْعَةِ، أُولَئِكَ غَلَوْا فِي عَلِيٍّ، وَأُولَئِكَ كَفَّرُوهُ! وَأُولَئِكَ غَلَوْا فِي الْوَعِيدِ، حَتَّى خَلَّدُوا بَعْضَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُولَئِكَ غَلَوْا فِي الْوَعْدِ حَتَّى نَفَوْا بَعْضَ الْوَعِيدِ أَعْنِي الْمُرْجِئَةَ! وَأُولَئِكَ غَلَوْا فِي التَّنْزِيهِ حَتَّى نَفَوُا الصِّفَاتِ، وَهَؤُلَاءِ غَلَوْا فِي الْإِثْبَاتِ، حَتَّى وَقَعُوا فِي التَّشْبِيهِ! وَصَارُوا يَبْتَدِعُونَ مِنَ الدَّلَائِلِ وَالْمَسَائِلِ مَا لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْأَمْرِ الْمَشْرُوعِ، وَفِيهِمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015