وَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ الْمُسْتَفِيضَةُ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النار من قال: "لا إله إلا الله"، وَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ صَرِيحَةٌ فِي خُرُوجِ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ، وَأَنَّ هَذَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِمْ، فَلَوْ خَرَجَ الْكُفَّارُ مِنْهَا لَكَانُوا بِمَنْزِلَتِهِمْ، وَلَمْ يَخْتَصَّ الْخُرُوجُ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ. وَبَقَاءُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَيْسَ لِذَاتِهِمَا، بَلْ بِإِبْقَاءِ اللَّهِ لَهُمَا.

قوله: "وخلق لهما أهلا"-

وَقَوْلُهُ: "وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلًا"-

قَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ} (?)، الآية. وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طُوبَى لِهَذَا، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ، لم يعمل سوءا ولم يدركه. فقال: "أوغير ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ.

وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (?). وَالْمُرَادُ الْهِدَايَةُ الْعَامَّةُ، وَأَعَمُّ مِنْهَا الْهِدَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (?).

فَالْمَوْجُودَاتُ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا مُسَخَّرٌ بِطَبْعِهِ، وَالثَّانِي مُتَحَرِّكٌ بِإِرَادَتِهِ، فَهَدَى الْأَوَّلَ لِمَا سَخَّرَهُ لَهُ طَبِيعَةً، وَهَدَى الثَّانِي هِدَايَةً إِرَادِيَّةً تَابِعَةً لِشُعُورِهِ وَعِلْمِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ.

ثُمَّ قَسَّمَ [هَذَا النَّوْعَ] (?). إلى ثلاثة أنواع:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015