{شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} (?). فَلَا بُدَّ أَنْ تَسَعَ رَحْمَتُهُ هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ، فَلَوْ بَقُوا فِي الْعَذَابِ لَا إِلَى غَايَةٍ لَمْ تَسَعْهُمْ رَحْمَتُهُ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ تَقْدِيرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، وَالْمُعَذَّبُونَ فِيهَا مُتَفَاوِتُونَ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْعَذَابِ بِحَسَبِ جَرَائِمِهِمْ، وَلَيْسَ فِي حِكْمَةِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَرَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا يُعَذِّبُهُمْ أَبَدَ الْآبَادِ عَذَابًا سَرْمَدًا لَا نِهَايَةَ لَهُ. وَأَمَّا أَنَّهُ يَخْلُقُ خَلْقًا يُنْعِمُ [عَلَيْهِمْ] (?) وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ نَعِيمًا سَرْمَدًا - فَمِنْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ. وَالْإِحْسَانُ مُرَادٌ لِذَاتِهِ، وَالِانْتِقَامُ مُرَادٌ بِالْعَرَضِ.
قَالُوا: وَمَا وَرَدَ مِنَ الْخُلُودِ فِيهَا، وَالتَّأْبِيدِ، وَعَدَمِ الْخُرُوجِ، وَأَنَّ عَذَابَهَا مُقِيمٌ، وَأَنَّهُ غَرَامٌ - كُلُّهُ حَقٌّ مُسَلَّمٌ، لَا نِزَاعَ فِيهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي دَارِ الْعَذَابِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً، وَإِنَّمَا يُخْرَجُ مِنْهَا فِي حَالِ بَقَائِهَا أَهْلُ التَّوْحِيدِ. فَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الْحَبْسِ وَهُوَ حَبْسٌ عَلَى حَالِهِ، وَبَيْنَ مَنْ يَبْطُلُ حَبْسُهُ بِخَرَابِ الْحَبْسِ وَانْتِقَاضِهِ.
وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِبَقَائِهَا وعدم فنائها: قوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (?). {لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} (?). {فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} (?). {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} (?). {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} (?). {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (?). {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (?). {لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا} (?). {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} (?)، أي مقيما لازما.