وَهُوَ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَإِنَّ وَسُوسَةَ النَّفْسِ أَوْ مُدَافَعَةَ وَسْوَاسِهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُحَادَثَةِ الْكَائِنَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَمُدَافَعَةُ الْوَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِيَّةِ وَاسْتِعْظَامُهَا صَرِيحُ الْإِيمَانِ وَمَحْضُ الْإِيمَانِ. هَذِهِ طَرِيقَةُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ. ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ، سَوَّدُوا الْأَوْرَاقَ بِتِلْكَ الْوَسَاوِسِ، الَّتِي هِيَ شُكُوكٌ وَشُبَهٌ، بَلْ وَسَوَّدُوا الْقُلُوبَ، وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ، وَلِذَلِكَ أَطْنَبَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ذَمِّ الْخَوْضِ فِي الْكَلَامِ فِي الْقَدَرِ وَالْفَحْصِ عَنْهُ.
وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ» (?). وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالنَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْقَدَرِ، قَالَ: فَكَأَنَّمَا تَفَقَّأَ فِي وَجْهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الْغَضَبِ، قَالَ: فَقَالَ [لَهُمْ]: مَا لَكُمْ تَضْرِبُونَ كِتَابَ اللَّهِ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ؟ بِهَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ». قَالَ: فَمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِمَجْلِسٍ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ لَمْ أَشْهَدْهُ، بِمَا غَبَطْتُ نَفْسِي بِذَلِكَ الْمَجْلِسِ، أَنِّي لَمْ أَشْهَدْهُ. وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا (?).
وَقَالَ تَعَالَى: {فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} (?) أَيْ: كَالْخَوْضِ الَّذِي خَاضُوهُ، أَوْ كَالْفَوْجِ أَوِ الصِّنْفِ أَوِ الْجِيلِ الَّذِي خَاضُوا. وَجَمَعَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْخَلَاقِ وَبَيْنَ الْخَوْضِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الدِّينِ إِمَّا فِي الْعَمَلِ وَإِمَّا فِي الِاعْتِقَادِ، فَالْأَوَّلُ مِنْ جِهَةِ الشَّهَوَاتِ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الشُّبُهَاتِ.
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم