وَمَقْضِيٌّ: وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْمُنْفَصِلُ عَنْهُ. فَالْقَضَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ وَعَدْلٌ وَحِكْمَةٌ، نَرْضَى بِهِ كُلِّهِ، وَالْمَقْضِيُّ قِسْمَانِ: مِنْهُ مَا يُرْضَى بِهِ، وَمِنْهُ مَا لَا يُرْضَى بِهِ.
وَيُقَالُ ثَالِثًا: الْقَضَاءُ لَهُ وجهان:
أحدهما: تعلقه بالرب تعالى، فمن هذا الوجه ونسبته إليه يُرْضَى بِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تَعَلُّقُهُ بِالْعَبْدِ وَنِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَنْقَسِمُ إِلَى مَا يُرْضَى بِهِ وَإِلَى مَا لَا يُرْضَى بِهِ. مِثَالُ ذَلِكَ: قَتْلُ النَّفْسِ، لَهُ اعْتِبَارَانِ: فَمِنْ حَيْثُ قَدَّرَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ وَكَتَبَهُ وَشَاءَهُ وَجَعَلَهُ أَجَلًا لِلْمَقْتُولِ وَنِهَايَةً لِعُمُرِهِ - يُرْضَى بِهِ، وَمِنْ حَيْثُ صَدَرَ مِنَ الْقَاتِلِ وَبَاشَرَهُ وَكَسَبَهُ وَأَقْدَمَ عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ وَعَصَى اللَّهَ بِفِعْلِهِ - نَسْخَطُهُ وَلَا نَرْضَى بِهِ.
وَقَوْلُهُ: "وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الْخِذْلَانِ" إِلَى آخِرِهِ -
التَّعَمُّقُ: هُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي طَلَبِ الشَّيْءِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي طَلَبِ الْقَدَرِ وَالْغَوْصِ فِي الْكَلَامِ فِيهِ ذَرِيعَةُ الخذلان. الذريعة: الوسيلة، والذريعة والدرجة والسلم - متقاربة الْمَعْنَى وَكَذَلِكَ الْخِذْلَانُ وَالْحِرْمَانُ وَالطُّغْيَانُ - مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى أَيْضًا، لَكِنَّ الْخِذْلَانَ فِي مُقَابَلَةِ النَّصْرِ، وَالْحِرْمَانَ فِي مُقَابَلَةِ الظَّفَرِ: وَالطُّغْيَانَ فِي مُقَابَلَةِ الِاسْتِقَامَةِ.
وَقَوْلُهُ: "فَالْحَذَرَ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً"- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: "جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلُوهُ: «إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ؟ قَالَ: " [وَقَدْ] وَجَدْتُمُوهُ"؟ [قَالُوا: نَعَمْ]، قَالَ: "ذَلِكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ (?). الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلك «صريح الإيمان» إلى تعاظم أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِهِ. وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوسوسة؟ فقال: «تلك محض الإيمان»،