لَمْ يَقُولُوا: أَنَّ الْعَالَمَ لَهُ صَانِعَانِ، بَلْ جَعَلُوا مَعَهُ آلِهَةً اتَّخَذُوهُمْ شُفَعَاءَ، وَقَالُوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر: 3] (الزُّمَرِ: 3) ، بِخِلَافِ الْآيَةِ الْأُولَى.
ثُمَّ التَّوْحِيدُ الَّذِي دَعَتْ إِلَيْهِ رُسُلُ اللَّهِ وَنَزَلَتْ بِهِ كُتُبُهُ نَوْعَانِ: تَوْحِيدٌ فِي الْإِثْبَاتِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَتَوْحِيدٌ فِي الطَّلَبِ وَالْقَصْدِ.
فَالْأَوَّلُ: هُوَ إِثْبَاتُ حَقِيقَةِ ذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَسْمَائِهِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، كَمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَكَمَا أَخْبَرَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ أَفْصَحَ الْقُرْآنُ عَنْ هَذَا النَّوْعِ كُلَّ الْإِفْصَاحِ، كَمَا فِي أَوَّلِ (الْحَدِيدِ) وَ (طه) وَآخِرِ (الْحَشْرِ) وَأَوَّلِ (الم تَنْزِيلُ) السَّجْدَةِ، وَأَوَّلِ (آلِ عِمْرَانَ) وَسُورَةِ (الْإِخْلَاصِ) بِكَمَالِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ تَوْحِيدُ الطَّلَبِ وَالْقَصْدِ، مِثْلَ مَا تَضَمَّنَتْهُ سُورَةُ {قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] ، وَ {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: 64] (آلِ عِمْرَانَ: 64) ، وَأَوَّلُ سُورَةِ (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ) وَآخِرُهَا، وَأَوَّلُ سُورَةِ (يُونُسَ) وَأَوْسَطُهَا وَآخِرُهَا، وَأَوَّلُ سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) وَآخِرُهَا، وَجُمْلَةُ سُورَةِ (الْأَنْعَامِ) .
وَغَالِبُ سُوَرِ الْقُرْآنِ مُتَضَمِّنَةٌ لِنَوْعَيِ التَّوْحِيدِ، بَلْ كُلُّ سُورَةٍ فِي