وَالصَّلَاح وَالْفساد وَأَن الْخَيْر من النَّاس يحن إِلَى شكله والشرير يمِيل إِلَى نَظِيره فتعارف الْأَرْوَاح يَقع بِحَسب الطباع الَّتِي جبلت عَلَيْهَا من خير أَو شَرّ فَإِذا إتفقت تعارفت وَإِذا إختلفت تناكرت وَقيل المُرَاد الْإِخْبَار عَن بَدْء الْخلق على مَا ورد أَن الْأَرْوَاح خلقت قبل الأجساد بألفي عَام فَكَانَت تلتقي فتتشام فَلَمَّا حلت الأجساد تعارفت بِالْمَعْنَى الأول فَصَارَ تعارفها وتناكرها على مَا سبق من الْعَهْد الْمُتَقَدّم وَقَالَ بَعضهم الْأَرْوَاح وَإِن إتفقت فِي كَونهَا أرواحا لَكِنَّهَا تتمايز بِأُمُور مُخْتَلفَة تتنوع بهَا فتتشاكل أشخاصا كل نوع يألف نوعها وتنفر من مخالفها وَفِي تَارِيخ إِبْنِ عَسَاكِر بِسَنَدِهِ عَن هرم بن حَيَّان قَالَ أتيت أويسا الْقَرنِي فَسلمت عَلَيْهِ وَلم أكن رَأَيْته قبل ذَلِك وَلَا رَآنِي فَقَالَ لي وَعَلَيْك السَّلَام يَا هرم بن حَيَّان قلت من أَيْن عرفت إسمي وإسم أبي وَلم أكن رَأَيْتُك قبل الْيَوْم وَلَا رَأَيْتنِي قَالَ عرفت روحي روحك حَيْثُ كلمت نَفسِي نَفسك إِن الْأَرْوَاح لَهَا أنفاس كأنفاس الأجساد وَإِن الْمُؤمنِينَ ليعرف بَعضهم بَعْضًا ويتحابون بِروح الله وَإِن لم يلتقوا وَأخرج الطوسي فِي عُيُون الْأَخْبَار عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَن إمرأة كَانَت بِمَكَّة تدخل على نسَاء قُرَيْش تضحكهم فَلَمَّا هَاجَرت إِلَى الْمَدِينَة قدمت عَليّ فَقلت أَيْن نزلت قَالَت على فُلَانَة إمرأة كَانَت تضحك بِالْمَدِينَةِ فَدخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ فُلَانَة المضحكة عنْدكُمْ قلت نعم قَالَ على من نزلت قلت على فُلَانَة المضحكة قَالَ الْحَمد لله إِن الْأَرْوَاح جنود مجندة فَمَا تعارف مِنْهَا إئتلف وَمَا تناكر مِنْهَا إختلف التَّاسِعَة قَالَ إِبْنِ الْقيم فَإِن قيل بِأَيّ شَيْء تتمايز الْأَرْوَاح بعد مُفَارقَة الأشباح حَتَّى تتعارف وَهل تتشكل بشكل فَالْجَوَاب على قَاعِدَة أهل السّنة كثرهم الله تَعَالَى أَن الْأَرْوَاح ذَات قَائِمَة بِنَفسِهَا تصعد وتنزل وتتصل وتنفصل وَتذهب وتجيء وتتحرك وتسكن وعَلى هَذَا أَكثر من مائَة دَلِيل مقررة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَنَفس وَمَا سواهَا} فَأخْبر أَنَّهَا مسواة كَمَا قَالَ الله تَعَالَى عَن الْبدن {الَّذِي خلقك فسواك فعدلك}