هذه الأبيات للشاعر الصّمّة بن عبد الله القشيري، شاعر إسلامي بدوي مقلّ، من شعراء الدولة الأموية، والشاعر وإن وصف بالمقلّ، فإنه والله مكثر بهذه القطعة فقط؛ لأنها تغني عن ديوان شعر في الحنين إلى الوطن، والتعلق به.
وقوله: حننت: الحنين: تألّم من الشوق وتشكّ. وريّا: اسم امرأة، وهي ابنة عمه التي أراد الزواج بها، فلم يكن له منها نصيب.
وقوله: ونفسك باعدت: الواو: للحال، ومعنى باعدت: بعّدت، كما يقال: ضاعفت وضعّفت، وفي القرآن: باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [سبأ: 19]. والمزار: اسم مكان الزيارة.
والشعب: بفتح الشين، شعب الحيّ، يقال: التأم شعبهم، أي: اجتمعوا بعد تفرّق، وشتّ شعبهم، إذا افترقوا بعد تجمّع.
وقوله: وشعباكما معا: الواو: واو الحال. والعامل في «ونفسك باعدت»: حننت.
وفي قوله: وشعباكما، باعدت، ومعنى «معا» مجتمعان ومصطحبان، وموضعه خبر المبتدأ.
وقوله: فما حسن، في حسن وجوه: يجوز أن يكون مبتدأ، وجاز الابتداء بالنكرة؛ لاعتماده على النفي، و «أن تأتي» في موضع الفاعل لحسن، واستغنى بفاعله عن خبره، وطائعا: حال، من (أن تأتي). ويجوز: رفع «حسن» خبر مقدم، و «أن تأتي» مبتدأ.
وقوله: وتجزع أن داعي، أن: مخففة من الثقيلة. والمراد: وتجزع من أنّ داعي الصبابة أسمعك صوته ودعاك. ومعنى البيتين: شكوت شوقك إلى هذه المرأة، وأنت آثرت البعد عنها بعد أن كان حياكما معا مجتمعين، وليس بجميل اختيارك الأمر طائعا غير مكره، وجزعك بعده؛ لأن داعي الشوق والعائد منه إليك، أسمعك وحرّك منك.
وفي البيت الثالث يقول: ويقلّ لنجد وساكنه التوديع منا؛ لأنّ حقهما أعظم، ولكنا لا نقدر على غيره.
وفي البيت الرابع يقول: إنك وإن أفرطت في الجزع، فإن أوقات المواصلة بالحمى مع أحبابك لا تكاد تعود، ولكن أدم البكاء لها مع التوجع في إثرها، تجد فيه راحة.
وقوله: تدمعا: جواب الأمر «خلّ»، ولو قال: تدمعان، لكان حالا للعينين.