اختصت عائشة الصديقة بهذا الإجلال في الطريقة وبهذا علم معنى بقية كلامه من قوله (وأذاه) أي وقرن أذى نبيه (بأذاه تعالى) أي في قوله إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ (وَكَانَ حُكْمُ مُؤْذِيهِ تَعَالَى الْقَتْلَ كَانَ مُؤْذِي نبيّه كذلك كما قدّمناه) ولا يخفى أن ذلك لو أجري على حقيقته لكان سب كل أحد من أهل بيته كفرا موجبا للقتل هنالك والأمر على خلاف ذلك لانه لم يقصد بذلك اذاه صلى الله تعالى عليه وسلم وفرق بين أن يقع شيء أصالة وقصدا وبين أن يقع تبعية وضمنا في مقام التحقيق والله ولي التوفيق؛ (وشتم رجل عائشة) أي بغير القذف (بالكوفة فقدّم) أي فأحضر الشاتم (إِلَى مُوسَى بْنِ عِيسَى الْعَبَّاسِيِّ فَقَالَ مَنْ حضر هذا) المجلس أو هذا الرجل حين شتم قال التلمساني ويروى من خصم (فقال ابن أبي ليلى أنا) وهو أحد المجتهدين وقد تولى القضاء ولعل هذا هو الموجب للاكتفاء (فجلد) أي الشاتم (ثمانين وحلق رأسه) أي تعزيرا (وأسلمه) أي تركه وفي نسخة وسلمه (للحجّامين) يعذبونه بإخراج دمه لزيادة سياسة في أمره (وروي) كما في تاريخ الخطيب وابن عساكر (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ نَذَرَ قَطْعَ لسان عبيد الله) بالتصغير (ابن عمر إذ شتم المقداد) بكسر الميم (ابن الأسود) تبنيا فإن أباه غيره (فكلّم) بصيغة المجهول أي فشفع عمر (فِي ذَلِكَ فَقَالَ دَعُونِي أَقْطَعْ لِسَانَهُ حَتَّى لا يشتم أحد بعد) أي بعد ذلك (أصحاب النبيّ صلى الله تعالى عليه وسلم) وحيث منعوه ولم يقروه حتى يفعل لا يكون إجماعا فلا يجوز قطع لسان من سب صحابيا وإنما أراد عمر تخويفه أو السياسة (وَرَوَى أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخطاب أتي بأعرابيّ يهجو الأنصار فقال) أي عمر (لولا أنّ له) أي للأعرابي (صحبة) أي سابقة له عليه الصلاة والسلام (لكفيتكموه) من شره بما يليق بأمره ورواه أيضا محمد بن قدامة المروزي في كتاب الخوارج عن أبي سعيد الخدري بسند رجاله ثقات ذكر الدلجي (وقال مَالِكٌ مَنِ انْتَقَصَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله تعالى عليه وسلم) أي ذكر بعض معايبهم وغفل عن جملة مناقبهم ولم يعرف أنهم السابقون في الإيمان ولم يعمهم بالاستغفار والرضوان (فليس له في هذا الفيء) الذي يعم المسلمين (حقّ) أي حصة ونصيب لأنه (قَدْ قَسَمَ اللَّهُ الْفَيْءَ فِي ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ فقال لِلْفُقَراءِ) بدلا من لذي القربى وما بعده وأن البدل منه في حكم الطرح أو الشامل لهم ولغيرهم (الْمُهاجِرِينَ) إلى المدينة (الآية) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ أي في إيمانهم ومعرفتهم أو في تصحيح نية هجرتهم (ثم قال: وَالَّذِينَ) عطفا على الفقراء (تَبَوَّؤُا الدَّارَ) أي سكنوا المدينة واتخذوها دار الوطن والقرار (وَالْإِيمانَ) أي واختاروا واخلصوا (مِنْ قَبْلِهِمْ [الحشر: 8] أي قبل لهجرة أهل الإسلام إليهم (الآية) أي يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ولو كان بهم خصاصة أي ضرورة ومجاعة (وهؤلاء هم الأنصار ثمّ قال وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) أي