الدلجي بأن هذا مخالف لما مر عن مالك أنه إذا قال كانوا أي الصحابة على ضلال وكفر قتل فإن المراد بهم إما جميعهم أو كابرهم (وَحَكَى أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سحنون فيمن قَالَ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ إنّهم) أي كلهم (كانوا على ضلال وكفر قتل ومن شتم غيرهم) أي غير الخلفاء الأربعة (من الصّحابة) كمعاوية وغيره (بمثل هذا) القول (نُكِّلَ النَّكَالَ الشَّدِيدَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَنْ سَبَّ أَبَا بَكْرٍ جُلِدَ وَمَنْ سَبَّ عَائِشَةَ) أي قذفها (قتل، قيل له) أي لمالك (لم) أي لأي شيء يقتل بسبها وقد قلت في أبيها يجلد من سبه وهو بالإجماع أفضل منها (قال) أي مالك (من رماها) أي قذفها (فقد خالف القرآن) النازل ببراءة ساحتها فعلم بهذا أنه لو شتمها أحد بغير القذف لم يجب قتله وهذا إذا سب أبا بكر مع اقراره بصحبته فإنه لو أنكرها لكفر لإنكاره القرآن على ما سبق به البيان وأما إذا قذف إحدى سائر الأزواج الطيبات فلا يكفر لعدم ورود براءتهن في الآيات (وقال ابن شعبان عنه) أي مالك (لأنّ الله يقول يَعِظُكُمُ اللَّهُ) أي تحذيرا من (أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [النور: 17] فمن عاد لمثله فقد كفر) وفيه إيماء إلى أن من قذفها قبل الوعظ لم يكفر وإنما حد حد القاذف.
(وحكى أبو الحسن الصّقلّيّ) بفتح أوله ويكسر وبسكون القاف قال الحلبي نسبة إلى صقلية جزيرة بالمغرب وقال الدلجي بفتح المهملة والقاف وقال التلمساني بكسر الصاد والقاف واللام مشددة وبفتح الصاد والقاف واللام مشددة (أنّ القاضي أبا بكر بن الطّيّب) أي الباقلاني المالكي إمام المتكلمين (قَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا ذَكَرَ فِي القرآن ما نسبه إليه المشركون) من الشريك والولد والصاحبة والبنات (سبّح نفسه لنفسه) وفي نسخة بنفسه (كقوله تعالى وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ [الْأَنْبِيَاءِ: 26] فِي آي كثيرة) كقوله تعالى وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وقوله وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ (وَذَكَرَ تَعَالَى مَا نَسَبَهُ الْمُنَافِقُونَ إِلَى عَائِشَةَ) فيه تغليب إذ الذي تولى كبره هو ابن أبي ابن سلول رئيس المنافقين وقد تبعه بعض المؤمنين كحسان ومسطح وحمنة وغيرهم (فَقَالَ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا) المأفوك عليها (سُبْحانَكَ [النُّورِ: 16] سَبَّحَ نَفْسَهُ فِي تَبْرِئَتِهَا مِنَ السّوء) المنسوب إليها (كَمَا سَبَّحَ نَفْسَهُ فِي تَبْرِئَتِهِ مِنَ السُّوءِ) وما ذاك إلا لجلالة مقامها العلي في رفيع صحبة النبي (وهذا) القول من الباقلاني (يشهد لقول مالك) ولا أعرف أحدا يخالفه في ذلك (في قتل من سبّ عائشة) أي قذفها (ومعنى هذا) القول بقتل من قذفها (والله تعالى أعلم) جملة معترضة (أنّ الله لمّا عظّم سبّها) أي بالافتراء عليها المسمى بالإفك (كما عظّم سبّه تعالى) بالافتراء عليه حيث قال أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (وكان سبّها سبّا لنبيّه) فيه بحث لا يخفى على النبي لأن سبها ليس سبا لنبيه في حقيقة الكلام ولا يلزم من قذفها قذفه عليه الصلاة والسلام ولهذا لم يقتل من قذفها قبل نزول براءتها بل جعل قذفها حينئذ كقذف سائر أهل الإسلام في عموم الأحكام فالكفر الموجب للقتل إنما هو لمخالفة القرآن ولهذا