أَحَدُهُمَا: قَطْعُ مَنْفَعَةِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ ذَلِكَ أَصْلًا.
وَالْآخَرُ: إيصَالُ الْمَنْفَعَةِ لِلْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمَا فَلْيَأْتِ بِهِمَا، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا فَلْيَأْتِ بِالْآخَرِ. وَهَا هُنَا قَدْ عَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْآخَرِ.
وَهُوَ قَطْعُ مَنْفَعَتِهِمْ عَنْهَا لِكَيْ لَا يَتَقَوَّوْا بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِحَالٍ.
وَلِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَنْ يَفْعَلَ مَا فِيهِ الْكَبْتَ وَالْغَيْظَ لِلْعَدُوِّ. وَفِي جَمِيعِ مَا قُلْنَا تَحْقِيقُ مَعْنَى الْغَيْظِ وَالْكَبْتِ لَهُمْ. ثُمَّ لَا يَكُونُ هُوَ مُتْلِفًا لِلصِّبْيَانِ وَلِلنِّسَاءِ بِتَرْكِهِمْ فِي مَضْيَعَةٍ، وَلَكِنْ يَكُونُ مُمْتَنِعًا (ص 347) مِنْ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ بِالنَّقْلِ إلَى الْعُمْرَانِ. وَتَرْكُ الْإِحْسَانِ لَا يَكُونُ إسَاءَةً.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ مَرَّ بِامْرَأَةٍ أَوْ صَبِيٍّ فِي مَفَازَةٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى نَقْلِهِ إلَى الْعُمْرَانِ فَلَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا شَيْئًا مِنْ بَدَلِهِ، وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِمَا قَامَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دَوَابِّهِمْ وَبِمَا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَتَاعِهِمْ.
1929 - وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ دَابَّةً فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَزَا عَلَيْهَا، فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ مَعَهُ فِي الْعَسْكَرِ خَاصَمَهُ حَتَّى يَرُدَّهَا عَلَيْهِ.
لِأَنَّهُ صَارَ مَظْلُومًا مِنْ جِهَتِهِ بِتَدْلِيسِ الْعَيْبِ، فَلَهُ أَنْ يَنْتَصِفَ مِنْهُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَرْكَبَهَا، وَلَكِنْ يَسُوقُهَا مَعَهُ حَتَّى يُخْرِجَهَا فَيَرُدَّهَا.
لِأَنَّ الرُّكُوبَ بَعْدَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ يَكُونُ رِضًى مِنْهُ بِهَا، فَلْيُتَحَرَّزْ مِنْ ذَلِكَ.
1930 - إلَّا أَنْ يَرْكَبَهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ لِيَسُوقَهَا إلَى مَعْلَفِهَا، أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا عَلَفَهَا، فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ رِضًى مِنْهُ بِالْعَيْبِ.