- بَابٌ مِنْ الْأَمَانِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَبَعْدَ نَهْيِ الْإِمَامِ - وَإِذَا حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤَمِّنَ أَهْلَ الْحِصْنِ وَلَا أَحَدًا مِنْهُمْ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ.
لِأَنَّهُمْ أَحَاطُوا بِالْحِصْنِ لِيَفْتَحُوهُ، وَالْأَمَانُ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَذَا الْمُرَادِ فِي الظَّاهِرِ. وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَكْتَسِبَ سَبَبَ الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ مُرَادِهِمْ، خُصُوصًا فِيمَا فِيهِ قَهْرُ الْعَدُوِّ. وَلِأَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ تَجِبُ طَاعَةُ الْأَمِيرِ عَلَيْهِ. فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَعْقِدَ عَقْدًا يَلْزَمُ الْأَمِيرَ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِرِضَاهُ. وَلِأَنَّ مَا يَكُونُ مَرْجِعُهُ إلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ فَالْإِمَامُ هُوَ الْمَنْصُوبُ لِلنَّظَرِ فِي ذَلِكَ، فَالِافْتِيَاتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الِاسْتِخْفَافِ بِالْإِمَامِ، وَلَا يَنْبَغِي لِلرَّعِيَّةِ أَنْ يُقْدِمُوا عَلَى مَا فِيهِ اسْتِخْفَافٌ بِالْإِمَامِ.
- فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ.
لِأَنَّ عِلَّةَ (؟) صِحَّةِ الْأَمَانِ ثَابِتٌ وَمُتَكَامِلٌ فِي حَقِّ كُلِّ مُسْلِمٍ، عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ» وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَكُفَّ عَنْ قِتَالِهِمْ حَتَّى يَنْبِذَ إلَيْهِمْ بَعْدَمَا يَرُدُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ، وَإِنْ كَانُوا أُخْرِجُوا.