وَلَوْ كَانَ الْأَمِيرُ وَالْمُسْلِمُونَ آمَنُوهُمْ ثُمَّ بَعَثُوا رَجُلًا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ، فَرَجَعَ الرَّسُولُ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ. فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى يَعْلَمُوا ذَلِكَ.

لِأَنَّهُ أَتَاهُمْ بِخَبَرٍ مُحْتَمِلٍ بَيْنَ الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ. وَذَلِكَ لَا يَكُونُ حُجَّةً تَامَّةً فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، وَإِنْ كَانَ حُجَّةً فِي الْأَمَانِ بِمَعْنَى. وَهُوَ أَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِنَبْذِ الْأَمَانِ إبَاحَةُ السَّبْيِ، وَاسْتِحْلَالُ الْفَرْجِ وَالدِّمَاءِ. وَهَذَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ. وَمُجَرَّدُ الظَّاهِرِ أَوْ خَبَرُ الْوَاحِدِ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الشُّبْهَةِ.

فَأَمَّا الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَانِ حُرْمَةُ السَّبْيِ، وَذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ.

وَلِأَنَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِنَبْذِ الْأَمَانِ إذَا وَقَعَ فِيهِ الْغَلَطُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَمَدَ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الظَّاهِرِ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمَانِ إذَا وَقَعَ فِيهِ غَلَطٌ يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ فَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ فِيهِ عَلَى الْخَبَرِ الْوَاحِدِ إذَا كَانَ رَسُولًا.

714 - فَإِنْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ قَبْلَ التَّثَبُّتِ فَقَالُوا: لَمْ يَبْلُغْنَا مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُكُمْ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ.

لِأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا نَبْذَ الْأَمَانِ، وَفِيهِ تَمَسُّكٌ بِالْأَصْلِ الْمَعْلُومِ. فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ مَا أَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَغْرَمُونَ دِيَاتِ مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَمَانٍ مَا لَمْ يَعْلَمُوا بِالنَّبْذِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَلَيْسَ فِي وُسْعِ الْأَمِيرِ فَوْقَ هَذَا.

قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ، بَلْ فِي وُسْعِهِ أَنْ يُرْسِلَ إلَيْهِمْ رَسُولًا يَنْبِذُ إلَيْهِمْ، وَيُرْسِلَ لَهُمْ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، حَتَّى يَشْهَدَا عَلَى تَبْلِيغِهِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015