وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَرْسَلَ فِي حَاجَتِهِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ أَنَّ مَنْ أَرْسَلَهُ آمَنَهُمْ. فَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ.
لِأَنَّ رَسُولَ الْوَاحِدِ مِنْ عَرْضِ الْعَسْكَرِ، فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُشْبِهُ رَسُولَ الْأَمِيرِ أَوْ رَسُولَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنَّ ذَلِكَ الْمُرْسَلَ لَوْ كَانَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ، فَكَذَلِكَ رَسُولُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْهُ.
وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي رَسُولِ الْأَمِيرِ وَرَسُولِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَيْضًا، غَيْرَ أَنَّا اسْتَحْسَنَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصَلَتَيْنِ.
لِأَنَّ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَنَعَةِ حَيْثُ مَا كَانُوا، وَرَسُولُهُمْ قَائِمٌ مَقَامَهُمْ. فَإِذَا أَضَافَ الْأَمَانَ إلَيْهِمْ كَانَ صَحِيحًا. وَكَذَلِكَ الْأَمِيرُ أَمَانُهُ صَحِيحٌ حَيْثُ يَكُونُ أَمِيرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَمِيرًا إلَّا بِاعْتِبَارِ الْمَنَعَةِ. فَلِسَانُ رَسُولِهِ كَلِسَانِهِ فِي الْإِخْبَارِ بِالْأَمَانِ. وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي حَقِّ الْوَاحِدِ مِنْ عَرْضِ النَّاسِ، فَلِهَذَا لَا يُعْتَبَرُ إخْبَارُ رَسُولِهِ إيَّاهُمْ بِالْأَمَانِ عَنْهُ.
712 - قَالَ: وَلَوْ أَنَّ الْأَمِيرَ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ مَنْ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ آمَنَهُمْ، ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ بِرِسَالَتِهِ، فَهُمْ آمِنُونَ، وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّسُولَ قَدْ بَلَّغَهُمْ.
؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّسُولَ بَعْدَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ لَا يَخْرُجُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الرِّسَالَةَ. وَلِأَنَّ فِيمَا يَقُولُهُ الرَّسُولُ احْتِمَالُ الصِّدْقِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ الصِّدْقِ. وَبِهَذَا الْقَدْرِ تَثْبُتُ الشُّبْهَةُ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْأَمَانَ يَثْبُتُ فِي مَوْضِعِ الشُّبْهَةِ.
فَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ.