لِأَنَّ شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ حُجَّةٌ تَامَّةٌ، فَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمَا مَا يُوجِبُ انْتِهَاءَ الْأَمَانِ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَهُمَا يَجُرَّانِ بِهَا نَفْعًا إلَى أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ لَهُمَا نَصِيبًا فِي الْغَنِيمَةِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ. لَكِنَّ الْحَقَّ فِي الْغَنِيمَةِ لَا يَتَأَكَّدُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ. وَلِهَذَا مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ لَا يُورَثُ نَصِيبُهُ. وَمِثْلُ هَذَا الْحَقِّ الضَّعِيفِ لَا يُورِثُ تُهْمَةً مَانِعَةً مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مُسْلِمَيْنِ مِنْ الْجُنْدِ لَوْ شَهِدَا عَلَى ذِمِّيٍّ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا بِعَيْنِهِ، أَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ أَنَّهُ سَرَقَ شَيْئًا مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ. كَانَتْ شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةً وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا لَهُمَا فِيهِ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِنَاءً عَلَى الشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ.
689 - وَإِنْ كَانَ الرَّجُلَانِ مِمَّنْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَالْقَوْمُ عَلَى أَمَانِهِمْ.
لِأَنَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْأَمَانُ لَمْ يَثْبُتْ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ ثُبُوتَهُ بِنَاءٌ عَلَى قَبُولِ شَهَادَتِهِمَا.
690 - وَلَوْ كَانَ بَعَثَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مَعَ الْعَشَرَةِ وَهُمَا مِمَّنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَهُمْ فَيْءٌ أَيْضًا.
لِأَنَّهُمْ يَشْهَدُونَ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ، وَلِأَهْلِ الذِّمَّةِ شَهَادَةٌ مَقْبُولَةٌ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ فِيمَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَفِيمَا لَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ، فَكَانَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ.