لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُمْ بِأَمَانٍ صَحِيحٍ وَهُوَ يَمْلِكُ إنْشَاءَ مِثْلِهِ، فَيَكُونُ إخْبَارُهُ بِهِ إظْهَارًا لِأَمَانٍ سَابِقٍ إنْ كَانَ، وَإِنْشَاءً إنْ لَمْ يَكُنْ سَبَقَ الْأَمَانُ، بِمَنْزِلَةِ قَضَاءِ الْقَاضِي فِي الْعُقُودِ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. ثُمَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنْتُمْ آمِنُونَ بِأَمَانِ الْأَمِيرِ فَافْتَحُوا الْبَابَ.
543 - وَلَوْ صَرَّحَ بِهَذَا كَانُوا آمِنِينَ بِأَمَانِهِ. فَكَذَلِكَ إذَا ثَبَتَ بِمُقْتَضَى كَلَامِهِ. وَإِنْ كَانَ الْمُخْبِرُ بِذَلِكَ لَهُمْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا كَانُوا فَيْئًا.
لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِهِ إذَا كَانَ كَذِبًا فَبِالْإِخْبَارِ لَا يَصِيرُ صِدْقًا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ هَذَا أَمَانًا مِنْ جِهَتِهِ، بِمُقْتَضَى كَلَامِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْأَمَانِ.
544 - وَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ قَالَ: أَمَّنْتهمْ، فِي مَجْلِسِهِ، فَلَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ حَتَّى نَهَاهُمْ الْأَمِيرُ أَنْ يُبَلِّغُوهُمْ، فَذَهَبَ رَجُلٌ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمِيرِ فَأَبْلَغَهُمْ إيَّاهُ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ مُسْلِمٌ فَهُمْ آمِنُونَ.
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَاذِبًا فِي أَصْلِ الْخَبَرِ كَانُوا آمِنِينَ مِنْ جِهَتِهِ كَمَا بَيَّنَّا. فَإِذَا كَانَ صَادِقًا فِي أَصْلِ الْخَبَرِ إلَّا أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهِ بَعْدَ نَهْيِ الْأَمِيرِ أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا آمِنِينَ.
545 - فَإِنْ أَبْلَغَهُمْ ذِمِّيٌّ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ سَمِعَ مَقَالَةَ الْأَمِيرِ الْأُولَى وَلَمْ يَسْمَعْ مَقَالَتَهُ الثَّانِيَةَ الْقَوْمُ آمِنُونَ.
لِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ أَمْرٌ لِكُلِّ سَامِعٍ بِالتَّبْلِيغِ إلَيْهِمْ دَلَالَةً، وَالثَّابِتُ بِالدَّلَالَةِ كَالثَّابِتِ بِالْإِفْصَاحِ وَبَعْدَ ثُبُوتِ وِلَايَةِ التَّبْلِيغِ لِلسَّامِعِ لَا يَنْعَزِلُ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ. بِمَنْزِلَةِ عَزْلِ الْوَكِيلِ، وَالْحَجْرِ عَلَى الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ، لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، فَكَانَ هَذَا مُبَلِّغًا أَمَانَ الْإِمَامِ إلَيْهِمْ بِأَمْرِهِ. وَعِبَارَةُ الرَّسُولِ فِي مِثْلِ هَذَا كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ.