وَإِنْ كَانَتْ الْمُعَامَلَةُ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لَمْ تُسْمَعْ الْخُصُومَةُ. فِي ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يُسْلِمَا أَوْ يَصِيرَا ذِمَّةً. وَبَعْدَ ذَلِكَ إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ غَصَبَهُ شَيْئًا فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ تُسْمَعْ هَذِهِ الْخُصُومَةُ أَيْضًا لِأَنَّهَا دَارُ نُهْبَةٍ. فَكُلُّ مَنْ اسْتَوْلَى عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ أَسْلَمَ عَلَيْهِ أَوْ صَارَ ذِمِّيًّا كَانَ سَالِمًا لَهُ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَتْ مُعَامَلَةً جَرَتْ بَيْنَهُمَا بِالتَّرَاضِي. فَتُسْمَعُ الْخُصُومَةُ فِيهِمَا بَعْدَ مَا صَارَا مِنْ أَهْلِ دَارِنَا.

528 - وَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَالْمُسْتَأْمَنُ إذَا خَرَجَا وَقَدْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُسْتَأْمَنُ، لَمْ يَسْمَعْ الْقَاضِي الْخُصُومَةَ فِي ذَلِكَ. لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إنْ كَانَ (90 ب) هُوَ الْغَاصِبُ فَقَدْ اسْتَوْلَى عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ. وَالْحَرْبِيُّ إنْ كَانَ هُوَ الْغَاصِبُ فَقَدْ تَمَّ إحْرَازُهُ لَهُ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ الْوَدِيعَةِ. فَإِنَّ الِاسْتِيلَاءَ وَالْإِحْرَازَ فِيهِ لَا يَتَحَقَّقُ فَتُسْمَعُ الْخُصُومَةُ فِيهِ لِهَذَا.

529 - وَلَوْ خَرَجَ الْمُسْلِمُ وَالْمُسْتَأْمَنُ وَفِي أَيْدِيهِمَا بَغْلٌ عَلَيْهِ مَالٌ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: مَالِي وَفِي يَدِي. فَقَامَتْ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، قَضَى الْقَاضِي بِهِ لَهُ. لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ.

وَتَبَيَّنَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَطَأُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فِيمَا قَالَ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَدَاعِيَيْنِ إذَا قَالَ مِلْكِي وَفِي يَدِي لَا يَسْمَعُ الْقَاضِي هَذِهِ الْخُصُومَةَ وَيَقُولُ: إذَا كَانَ مِلْكُك فِي يَدِك فَمَاذَا تَطْلُبُ مِنِّي؟ فَقَدْ نَصَّ هُنَا عَلَى قَبُولِ الْبَيِّنَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَيْهَا لِدَفْعِ مُنَازَعَةِ الْآخَرِ. وَالْبَيِّنَةُ لِهَذَا الْمَقْصُودِ مَقْبُولَةٌ، وَهُوَ يَقُولُ لِلْقَاضِي: أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ مُزَاحِمَتِي وَتُقَرِّرَهُ فِي يَدِي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015