عَلَى أَنْ يَنْزِلَ إلَيْهِمْ، فَأَعْطَوْهُ ذَلِكَ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ وَوَلَدُهُ الصِّغَارُ وَرَقِيقُهُ وَمَالُهُ فَذَلِكَ كُلُّهُ فَيْءُ غَيْرِهِ. لِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ مَقْهُورًا خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنَّمَا يَطْلُبُ الْأَمَانَ لِيَنْجُوَ بِنَفْسِهِ.
وَفِي تَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ لَا حَاجَةَ إلَى اتِّبَاعِ شَيْءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مَعَهُ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي دَارِهِ غَيْرَ خَائِفٍ. وَإِنَّمَا اسْتَأْمَنَ إلَى دَارِنَا لِيَسْكُنَ فِيهَا، وَيَتَّجِرَ، وَلَا يَتِمُّ لَهُ هَذَا الْمَقْصُودُ إلَّا بِاسْتِصْحَابِ هَؤُلَاءِ. وَالثَّانِي أَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ثَبَتَ فِي جَمِيعِ مَا فِي الْحِصْنِ هُنَا، فَإِنَّ الْمَحْصُورَ كَالْمَأْخُوذِ. فَلِهَذَا يَتَوَقَّفُ حُكْمُ تَصَرُّفَاتِهِ. فَالْحَاجَةُ إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُمْ بَعْدَ مَا ثَبَتَ، وَذَلِكَ بِالنَّصِّ يَكُونُ، لَا بِدَلَالَةِ الْحَالِ. فَأَمَّا الَّذِي اسْتَأْمَنَ إلَى دَارِنَا لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْمُسْلِمِينَ فِيمَنْ اسْتَصْحَبَهُمْ مَعَهُ، وَإِنَّمَا حَاجَتُهُمْ إلَى مَنْعِ ثُبُوتِ حَقِّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِمْ وَدَلَالَةُ الْحَالِ يَكْفِي لِذَلِكَ. وَلَكِنَّ هَذَا الْمَحْصُورَ إنْ خَرَجَ إلَيْنَا بِسِلَاحٍ كَمَا يَلْبِسُ النَّاسُ، رَاكِبًا عَلَى دَابَّةٍ، وَمَعَهُ نَقْدٌ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ فِي حَقْوَيْهِ فَذَلِكَ سَالِمٌ لَهُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَخْرُجَ عُرْيَانًا. وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَنْكَرْنَا مَا عَلَيْهِ، وَيَحْتَاجُ إلَى لُبْسِ السِّلَاحِ أَيْضًا لِيَرَى أَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَخْرُجُ إلَى الْقِتَالِ أَوْ يَدْفَعُ شَرَّهُمْ عَنْ نَفْسِهِ إنْ رَمَوْهُ بَعْدَ مَا خَرَجَ. وَرُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَمْشِيَ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يَخْرُجَ رَاكِبًا عَلَى دَابَّتِهِ، وَيَحْتَاجُ إلَى نَفَقَتِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى شَيْئًا فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ مِنْهُمْ أَنْ يَنْجُوَ رَأْسًا بِرَأْسٍ، وَلَوْ لَمْ يَسْتَصْحِبْ نَفَقَتَهُ مَاتَ جُوعًا، فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهُ. فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَعْنَى يَصِيرُ هَذَا الْقَدْرُ مُسْتَثْنًى مِنْ جُمْلَةِ مَا يَسْتَصْحِبُهُ مَعَ نَفْسِهِ، فَيُسَلَّمُ لَهُ، كَمَا أَنَّ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ مِمَّا يَشْتَرِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى عَنْ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ، لِعِلْمِنَا بِوُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ اسْتِحْسَانًا.