وَإِنْ قَدِمَ مَوَالِيهِمْ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ أَذِنُوا لَهُمْ فِي الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِلتِّجَارَةِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَوَالِي. لِأَنَّهُمْ تَصَادَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مَمْلُوكِينَ لَهُمْ، ثُمَّ ادَّعَوْا سَبَبَ زَوَالِ مِلْكِ الْمَوَالِي عَنْهُمْ، وَهُوَ الْمُرَاغَمَةُ. فَلَا يُصَدَّقُونَ عَلَى ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ، بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ (87 آ) يَدَّعِي أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ.
وَهَذَا لِأَنَّ الْمَوَالِيَ يَتَمَسَّكُونَ بِمَا هُوَ الْأَصْلُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ غَيْرُ مُرَاغَمٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ مَعَ يَمِينِهِ. فَيَسْتَحْلِفُ الْإِمَامُ الْمَوَالِيَ بِاَللَّهِ إنْ طَلَبَ الْعَبِيدُ ذَلِكَ. ثُمَّ إذَا حَلَفُوا أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا أَسْلَمُوا، أُجْبِرُوا عَلَى بَيْعِهِمْ. لِأَنَّ الْعَبْدَ الْمُسْلِمَ كَمَا لَا يُتْرَكُ فِي يَدِ الذِّمِّيِّ لَا يُتْرَكُ فِي يَدِ الْحَرْبِيِّ لِيَرْجِعَ بِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ. وَفِي الْإِجْبَارِ عَلَى الْبَيْعِ هَا هُنَا مُرَاعَاةُ حَقِّ الْعَبْدِ مِنْ حَيْثُ إزَالَةُ ذُلِّ الْكَافِرِ عَنْهُ.
500 - وَالْمُسْتَأْمَنُ يُؤْخَذُ بِمِثَالِ هَذَا كَالذِّمِّيِّ. فَأَمَّا مَنْ صَارَ مِنْهُمْ ذِمَّةً فَإِنَّ مَوْلَاهُ يُتْرَكُ يَذْهَبُ بِهِ حَيْثُ شَاءَ. لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ تَبَعٌ لِمَوْلَاهُ، فَلَا يَصْلُحُ مِنْهُ قَبُولُ الذِّمَّةِ مَقْصُودًا. أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَرْبِيَّ الْمُسْتَأْمَنَ فِي دَارِنَا إذَا كَانَ مَعَهُ عَبْدٌ أَدْخَلَهُ مَعَ نَفْسِهِ، فَطَلَبَ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ ذِمَّةً لَنَا لَا نُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَخَذَ مِنْهُ الْخَرَاجَ قَبْلُ، رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ كَسْبُ عَبْدِهِ. وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْخَرَاجَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ مَوْلَاهُ لِأَنَّهُ يَبْنِي الْحُكْمَ عَلَى الظَّاهِرِ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَقُولُ مَا لَمْ يَأْتِ مَنْ يُكَذِّبُهُ.