يَسْمَعُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَلْقَى السِّلَاحَ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ جَاءَ طَالِبًا لِلْأَمَانِ، فَهُوَ آمِنٌ، أَمَّنُوا أَوْ لَمْ يُؤَمِّنُوا. لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَّنَ مِثْلَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ} [التوبة: 6] وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا} [الأنفال: 61] .
391 - وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعَهُ السِّلَاحُ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ هَيْئَةُ رَجُلٍ يُرِيدُ الْقِتَالَ. لِأَنَّهُ رُبَّمَا اسْتَصْحَبَ السِّلَاحَ لِيَبِيعَهُ فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ خَافَ ضَيَاعَهُ إنْ خَلَفَهُ عِنْدَهُمْ، فَاسْتَصْحَبَهُ ضِنَةً مِنْهُ بِسِلَاحِهِ.
392 - وَإِنْ كَانَ أَقْبَلَ سَالًّا سَيْفَهُ مَادًّا رُمْحَهُ نَحْوَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكُونُ مُمْتَنِعًا مِنْهُمْ نَادَى الْأَمَانَ، فَهُوَ فَيْءٌ. لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ أَقْبَلَ مُقَاتِلًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الظَّاهِرِ فِيمَا يُتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ جَائِزٌ. وَغَالِبُ الرَّأْيِ يَجُوزُ تَحْكِيمُهُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ حَقِيقَتِهِ، وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى إبَاحَةِ الدَّمِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَأَى إنْسَانًا يَدْخُلُ بَيْتَهُ لَيْلًا وَلَا يَدْرِي أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ هَارِبٌ مِنْ اللُّصُوصِ فَإِنَّهُ يُحَكِّمُ: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا اللُّصُوصِ أَوْ كَانَ مَعَهُ آخَرُ يَجْمَعُ مَتَاعَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَدْنُوَا مِنْهُ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا أَهْلِ الْخَيْرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤْوِيَهُ وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يَرْمِيَ إلَيْهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ تَحْكِيمِ السِّيمَاءِ قَوْله تَعَالَى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن: 41] وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ إلَى دَلَالَةِ الْحَالِ قَوْله تَعَالَى: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً} [التوبة: 46]