وَإِنْ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ، وَهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَهُ إنْ تَكَلَّمَ، فَأَرَادُوهُ لِيَقْتُلُوهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ لَمْ يَتَكَلَّمْ، وَلَكِنَّهُ أَقْبَلَ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي أَيْدِيهِمْ، فَهُوَ فَيْءٌ. وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَلَا يَقْبَلَ قَوْلَهُ إنِّي جِئْت أَطْلُبُ الْأَمَانَ. لِأَنَّهُ حِينَ أَرَادَ الْمُسْلِمُونَ أَسْرَهُ أَوْ قَتْلَهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا عَلَى أَنْ يُنَادِيَ بِالْأَمَانِ فَيَعْلَمَ أَيُؤَمِّنُونَهُ أَمْ لَا. وَقَدْ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَحِينَ تَرَكَ النِّدَاءَ بِالْأَمَانِ فَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْظُرْ لِنَفْسِهِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَقْبَلَ رَادًّا لِقَصْدِ الْمُسْلِمِينَ، فَحِينَ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَلِكَ احْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ.
389 - وَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ الْمُسْلِمُونَ بِقَتْلٍ وَلَا أَسْرٍ فَأَقْبَلَ إلَيْهِمْ حَتَّى أَتَاهُمْ فَهُوَ آمِنٌ. لِأَنَّ إقْبَالَهُ إلَيْهِمْ دَلِيلُ الْمُسَالَمَةِ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النِّدَاءِ بِالْأَمَانِ، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. فَإِقْبَالُهُ بَعْدَ قَصْدِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ رَدَّ قَصْدِهِمْ بِالْقِتَالِ. وَأَمَّا إقْبَالُهُ قَبْلَ قَصْدِ الْمُسْلِمِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْمُسَالَمَةَ. أَلَا تَرَى أَنَّ تُجَّارَهُمْ هَكَذَا يَكُونُ الْحَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يَدْخُلُونَ دَارَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنَادَوْا لِطَلَبِ (75 ب) الْأَمَانِ.
390 - وَإِنْ كَانَ فِي مَنْعَةٍ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ الْمُسْلِمُونَ كَلَامَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ، فَانْحَطَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ وَلَا سِلَاحٌ حَتَّى أَتَى الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا كَانَ حَيْثُ يَسْمَعُهُمْ نَادَى بِالْأَمَانِ، فَهُوَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ آمِنٌ. لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ مِنْ مُفَارَقَةِ الْمَنَعَةِ وَالنِّدَاءِ بِالْأَمَانِ إذْ كَانَ بِحَيْثُ