قَالَ كَعْبٌ: أَمَا إنَّ رِفَافِي تَتَقَصَّفُ تَمْرًا مِنْ عَجْوَةٍ يَغِيبُ فِيهَا الضِّرْسُ. وَالرِّفَافُ: جَمْعُ الرَّفِّ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَجْمَعُ فِيهِ التَّمْرُ، شِبْهُ الْخُنْبُقِ. وَقَوْلُهُ تَتَقَصَّفُ: أَيْ تَتَكَسَّرُ مِنْ كَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنْ التَّمْرِ. وَوَصَفَ جُودَتَهَا بِقَوْلِهِ: يَغِيبُ فِيهَا الضِّرْسُ. قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ يَا أَبَا نَائِلَةَ مَا كُنْت أُحِبُّ أَنْ أَرَى هَذِهِ الْخَصَاصَةِ، يَعْنِي شِدَّةَ الْحَاجَةِ، وَإِنْ كُنْت لَمِنْ أَكْرَمِ النَّاسِ عَلَيَّ. فَمَاذَا تَرْهَنُونَ؟ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ وَنِسَائِكُمْ؟ قَالَ: لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تَفْضَحَنَا وَتُظْهِرَ أَمَرَنَا. وَلَكِنَّا نَرْهَنُك مِنْ الْحَلَقَةِ مَا تَرْضَى بِهِ يَا كَعْبُ. قَالَ: إنَّ فِي الْخَلِيعَةِ لَوَفَاءٌ. يَعْنِي السِّلَاحَ. وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ سِلْكَانُ كَيْلًا يُنْكِرُهُمْ إذَا جَاءُوا إلَى السِّلَاحِ. فَرَجَعَ أَبُو نَائِلَةَ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى مِيعَادٍ. فَأَتَى أَصْحَابَهُ وَأَجْمَعُوا أَمَرَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتُوهُ إذَا أَمْسَوْا. ثُمَّ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِشَاءً فَأَخْبَرُوهُ. فَمَشَى مَعَهُمْ حَتَّى أَتَى الْبَقِيعَ، ثُمَّ وَجَّهَهُمْ وَقَالَ: امْضُوا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَعَوْنِهِ. ثُمَّ دَعَا لَهُمْ. وَذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ مِثْلَ النَّهَارِ.