وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ رَكْعَةً. وَهَذِهِ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ. يَقُولُونَ: سَجَدَ فُلَانٌ سَجْدَةً: أَيْ صَلَّى رَكْعَةً.
- وَذُكِرَ فِي حَدِيثِهِ أَيْضًا: فَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلُّوا رِجَالًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِ مُسْتَقْبِلِيهَا. وَإِنَّمَا أَرَادَ إذَا كَانُوا قِيَامًا لَا مُشَاةً، فَإِنَّ الْمَشْيَ عَمَلٌ لَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاحَةِ فِي الْبَحْرِ وَالْمُسَايَفَةِ فِي زَمَانِ الْقِتَالِ.
284 - وَذُكِرَ عَنْ (60 آ) مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا سَافَرَ فَنَزَلَ مَنْزِلًا لَمْ يَقْعُدْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ» .
وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَ هَذَا الْحَدِيثَ أَتَمُّ مِنْ هَذَا، لِأَنَّهُ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ كَانَ يُعَيِّنُ مَكَانَ الصَّلَاةِ أَوَّلًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ مُسَافِرٍ أَنْ يَفْعَلَهُ، فَإِنَّ النُّزُولَ لِلِاسْتِرَاحَةِ، وَذَلِكَ نَصِيبُ الْبَدَنِ، فَالْأُولَى أَنْ يُقَدِّمَ أَمْرَ الدِّينِ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَيْتِهِ كَانَ يُصَلِّي وَيَسْعَى فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ» ، وَبِهِ أَمَرَ أُمَّتَهُ فَقَالَ: «لَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا» . قِيلَ مَعْنَاهُ: لَا تُصَلُّوا فِيهِ. وَقِيلَ مَعْنَاهُ: بِأَنْ تَنَامُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَأَنْ تُعِينُوا أَهَالِيَكُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ. وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» ، وَقُرَّةُ عَيْنِ أُمَّتِهِ فِيمَا فِيهِ قُرَّةُ عَيْنِهِ. فَالْبِدَايَةُ بِهِ عِنْدَ النُّزُولِ فِي الْمَنْزِلِ أَوْلَى.