فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَارَتْ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً، وَالْخَرَاجُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ فَيَصِيرُ بِهِ ذِمِّيًّا.
وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: الْعُشْرُ فِي الْخَارِجِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، فَلَا يَصِيرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ ذِمِّيًّا، وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ حَرْبِيًّا فَالْمُسْتَأْجِرُ عِنْدَهُ يَصِيرُ ذِمِّيًّا.
لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ عُشْرُهَا.
ثُمَّ فَرَّقَ مُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُشْرِ الَّذِي يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِهِ وَبَيْنَ الْعُشْرِ الَّذِي يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ، فَقَالَ: بِاعْتِبَارِ ذَلِكَ الْعُشْرِ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا، وَإِذَا أُخِذَ الْعُشْرُ مِنْ أَرْضِهِ يَصِيرُ ذِمِّيًّا.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ أَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ فَإِنَّ الْعَاشِرَ يَأْخُذُ مِنْهُ عُشْرَ مَا مَرَّ بِهِ، وَيَأْخُذُ مِنْ الذِّمِّيِّ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَمِنْ الْمُسْلِمِ رُبْعَ الْعُشْرِ، فَإِذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَمْ يَصِرْ هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ مِرَارًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَتَى عَادَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إلَى دَارِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا لَمْ يَصِرْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ هُوَ أَهْلُ دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَصِرْ ذِمِّيًّا، وَأَمَّا هَاهُنَا يُؤْخَذُ مِنْ طَعَامِهِ مِنْ الْعُشْرِ مِثْلُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ طَعَامِ الْمُسْلِمِ، وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، كَمَا لَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً، فَيُنَزَّلُ بِأَخْذِ هَذَا الْعُشْرِ مَنْزِلَةَ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فَيَصِيرُ ذِمِّيًّا.
يُوَضِّحُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْعُشْرَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْحَرْبِيِّ بِطَرِيقِ الْمُجَازَاةِ، وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْ تُجَّارِنَا شَيْئًا لَا نَأْخُذُ مِنْ تُجَّارِهِمْ شَيْئًا.
وَهَذَا الْعُشْرُ مَأْخُوذٌ بِطَرِيقِ مُؤْنَةِ الْأَرْضِ النَّامِيَةِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَكَانَ كَالْخَرَاجِ.