فَإِنَّا لَا نَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُسْلِمُوا، أَوْ يَصِيرُوا ذِمَّةً.
لِأَنَّ هُنَاكَ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمْ فِي مُعَامَلَةٍ جَرَتْ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ حُكْمُنَا جَارِيًا عَلَيْهِمْ، فَلَا يَسْمَعُ الْقَاضِي الْخُصُومَةَ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَلْتَزِمُوا أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، بِأَنْ يُسْلِمَ الْخَصْمَانِ، أَوْ يَصِيرَا ذِمَّةً، فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، أَوْ صَارَ ذِمَّةً لَمْ تُسْمَعْ فِيهِ الْخُصُومَةُ أَيْضًا، أَمَّا عَلَى الَّذِي لَمْ يُسْلِم فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ حُكْمَ الْإِسْلَامِ، وَأَمَّا عَلَى الَّذِي أَسْلَمَ فَلِوُجُوبِ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَقَضِيَّةُ التَّسْوِيَةِ أَلَّا يَقْضِيَ عَلَيْهِ لِخَصْمِهِ فِي حَالٍ لَا يَقْضِي لَهُ خَصْمُهُ، فَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرِّقِّ فَالْمُنَازَعَةُ فِي سَبَبٍ بَاشَرُوهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ قَهْرُ الَّذِينَ جَاءُوا بِهِمْ، وَفِي مِثْلِهِ الْقَاضِي يَسْمَعُ الْخُصُومَةَ بَيْنَهُمْ. (أَلَا تَرَى) أَنَّ بَعْضَهُمْ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَ الْبَعْضِ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا لَهُ فِي دَارِ الشِّرْكِ ثُمَّ أَبَى أَنْ يَنْقَادَ لَهُ أَجْبَرْنَاهُ عَلَى الِانْقِيَادِ لَهُ كَمَا يَنْقَادُ الْعَبْدُ لِمَوْلَاهُ؛ لِأَنَّهُ زَعَمَ أَنَّهُ عَبْدٌ لَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَبِمِثْلِهِ لَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمْ لِصَاحِبِهِ بِدَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ أَبَى أَنْ يَقْضِيَهُ لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ بِشَيْءٍ حَتَّى يُسْلِمَ الْخَصْمَانِ، أَوْ يَصِيرَا ذِمَّةً. فَبِهَذَا يَتَّضِحُ الْفَرْقُ.
3446 - وَلَوْ قَبِلْنَا قَوْلَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الرِّقَّ عَلَى الْمِائَةِ الرَّأْسِ فِي دَارِنَا أَدَّى إلَى تَضَادِّ الْأَحْكَامِ، فَإِنَّ الْمِائَةَ الرَّأْسِ لَوْ ادَّعَوْا عَلَى أُولَئِكَ الْقَوْمِ بَلْ أَنْتُمْ عَبِيدٌ لَنَا فَلَيْسَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ بِأُولَى مِنْ الرُّجُوعِ إلَى قَوْلِ الْفَرِيقِ الْآخَرَ، فَلَوْ قَالَ الْقَوْمُ هَذِهِ الْمِائَةُ الرَّأْسِ عَبِيدٌ لَنَا وَقَالَتْ الْمِائَةُ الرَّأْسِ