وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ جُعْلٌ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ، لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْخَرَاجِ مِنْ رُءُوسِهِمْ، وَالْمَالُ الْمَأْخُوذُ بِالْمُوَادَعَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنْ أَخَذُوهُ رَدُّوهُ عَلَيْهِمْ إذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ لَوْ أُصِيبَ مِنْهُمْ مَالٌ بِالْقِتَالِ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ مَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا أُصِيبَ مِنْهُمْ مَالٌ بِالْمُوَادَعَةِ.
3366 - وَإِذَا خَافَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ فَطَلَبُوا مُوَادَعَتَهُمْ فَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُوَادِعُوهُمْ حَتَّى يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ مَالًا فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ. لِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَفْعَلُوا وَلَيْسَ بِهِمْ قُوَّةُ دَفْعِ الْمُشْرِكِينَ ظَهَرُوا عَلَى النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ جَمِيعًا، فَهُمْ بِهَذِهِ الْمُوَادَعَةِ يَجْعَلُونَ أَمْوَالَهُمْ دُونَ أَنْفُسِهِمْ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ: «اجْعَلْ مَالَك دُونَ نَفْسِك وَنَفْسَك دُونَ دِينِك» . وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُدَارِي رَجُلًا فَقِيلَ لَهُ: إنَّك مُنَافِقٌ. فَقَالَ: لَا، وَلَكِنِّي أَشْتَرِي دِينِي بَعْضَهُ بِبَعْضٍ مَخَافَةَ أَنْ يَذْهَبَ كُلُّهُ. فَفِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِالْمَهَانَةِ.
3367 - وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ بَعْضِ الْمَالِ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْعِ عَنْ الْبَعْضِ إذَا خَافَ ذَهَابَ الْكُلِّ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ قُوَّةٌ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُوَادَعَةُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ.