وَلَوْ كَانَ الْمَأْسُورُ حُرًّا أَوْ مُكَاتَبًا فَأَمَرَ رَجُلًا يَشْتَرِيهِمَا فَاشْتَرَاهُمَا مَعًا بِخَمْسَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، يُقْسَمُ عَلَى الدِّيَةِ وَعَلَى قِيمَةِ الْمُكَاتَبِ.
لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي بَابِ الْحُرِّ فِي الْفِدَاءِ دِيَتُهُ، وَفِي الْمُكَاتَبِ قِيمَتُهُ بِدَلِيلِ مَا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا اُشْتُرِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِذَلِكَ الْقَدْرِ أَوْ أَقَلَّ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ، فَإِذَا أَضَافَ الْفِدَاءَ إلَيْهِمَا مُطْلَقًا يَتَوَزَّعُ عَلَيْهِمَا، بِاعْتِبَارِ بَدَلِ نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ افْتَدَاهُمَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَدْ فَدَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَكْثَرَ مِنْ بَدَلِ نَفْسِهِ بِمَا لَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَهُوَ لَا يَسْتَوْجِبُ الرُّجُوعَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِقَدْرِ بَدَلِ نَفْسِهِ، فَيَرْجِعُ عَلَى الْحُرِّ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَعَلَى الْمُكَاتَبِ بِقِيمَتِهِ، وَزِيَادَةٍ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ طَرِيقَ الْقِيمَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ يَكُونُ عَفْوًا، وَإِنْ كَانَا قَالَا لَهُ: افْتَدِنَا بِمَا شِئْت فَفَدَاهُمَا بِعِشْرِينَ أَلْفًا قَسَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا بِاعْتِبَارِ مِقْدَارِ الدِّيَةِ، وَقِيمَةُ الْمُكَاتَبِ إنْ كَانَتْ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَإِنْ كَانَتْ أَلْفَيْنِ، قَسَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ أَسْدَاسًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ أَلْفَيْنِ بَيْنَهُمَا، فَمَا أَصَابَ الْحُرَّ رَجَعَ الْمَأْمُورُ بِهِ عَلَيْهِ، وَمَا أَصَابَ الْمُكَاتَبَ وَهُوَ السُّدُسُ رَجَعَ بِهِ عَلَيْهِ فِي حَالَةِ الْكِتَابَةِ، فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي مُكَاتَبَتِهِ بِمِقْدَارِ قِيمَتِهِ وَزِيَادَةِ مَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ فِيهِ، وَمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ.
لِأَنَّهُ فِي الْتِزَامِ الزِّيَادَةِ مُتَبَرِّعٌ، بِمَنْزِلَةِ الْتِزَامِهِ بِالْكَفَالَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ.