كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ قِيلَ: فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى شَرَطُوا ذَلِكَ لَهُمْ أَيْضًا، ثُمَّ قُلْتُمْ: يَسَعُهُمْ إخْفَاءُ مَا أَخَذُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ الْآخَرِينَ حَتَّى يَخْرُجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ.
قُلْنَا: هُنَاكَ إنَّمَا شَرَطُوا عَلَيْهِمْ أَنْ يُسَلِّمُوا غَنَائِمَهُمْ، وَإِنَّمَا غَنَائِمُهُمْ مَا كَانُوا هُمْ الَّذِينَ أَخَذُوهُ مِنْ الْعَدُوِّ، فَأَمَّا مَا أَخَذَهُ الْأُسَرَاءُ مِنْ الْعَدُوِّ فَلَيْسَ مِنْ غَنَائِمِ الَّذِينَ قَاتَلُوهُمْ مَعَهُمْ.
لِأَنَّ ثُبُوتَ الشَّرِكَةِ فِي الْغَنَائِمِ مِنْ حُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ فِي مَنَعَةِ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَإِنَّمَا الثَّابِتُ فِي مَنَعَتِهِمْ أَنَّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ.
فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْإِخْفَاءِ مُخَالَفَةُ شَرْطٍ مُفْصِحٍ لَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَّ أَنَّ مُخَالَفَةَ الشَّرْطِ الْمُفْصِحِ بِهِ لَا يَصِحُّ لَهُمْ.
2985 - وَإِنْ كَانُوا أُسَرَاءَ فِي أَيْدِيهِمْ فَقَالَ: لَوْ كَانُوا فِي سِجْنٍ مِنْ سُجُونِهِمْ فَقَالُوا: نُؤْمِنُكُمْ عَلَى أَنْ نُخْرِجَكُمْ فَتَكُونُوا فِي بِلَادِنَا عَلَى أَلَّا نَدَعَكُمْ تَرْجِعُونَ إلَى بِلَادِكُمْ، وَلَا تَقْتُلُوا مِنَّا أَحَدًا، وَلَا تَأْخُذُوا مِنَّا مَالًا، سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً، فَرَضِيَ الْأُسَرَاءُ بِذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَفُوا بِهَذَا الشَّرْطِ.
لِأَنَّهُمْ فِيمَا الْتَزَمُوا بِالشَّرْطِ نَصًّا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْمَنِينَ فِيهِمْ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ آمَنُوا بِقَبُولِ ذَلِكَ مِنْ الْقَتْلِ وَالْحَبْسِ وَالْعَذَابِ.
فَإِنْ وَجَدُوا بَعْدَ هَذَا عَبْدًا أَصَابُوهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسَعْ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَالُهُمْ لَوْ أَسْلَمُوا عَلَيْهِ كَانَ لَهُمْ.