- إلَّا أَنْ يَكُونَ الْجَرِيحُ مِمَّنْ لَا يُطْمَعُ لَهُ فِي الْحَيَاةِ فَحِينَئِذٍ يُكْرَهُ قَتْلُهُ. لِأَنَّهُ وَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ قِتَالِهِ، فَإِنَّهُ مِمَّنْ لَا يُخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يَلْجَأَ إلَى فِئَةٍ، فَيُعِينَ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ أَبَدًا، فَيَكُونُ الْحَالُ فِي حَقِّهِ كَالْحَالِ فِيمَا إذَا انْهَزَمُوا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إلَيْهَا، وَهُنَاكَ لَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُتْبَعُ مُنْهَزِمَهُمْ فَكَذَلِكَ لَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحِهِمْ، وَالْمَعْنَى فِي الْفَرْقِ بَيْنَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فِي هَذَا أَنَّ السَّبَبَ الدَّاعِي إلَى الْمُحَارَبَةِ قَائِمٌ فِي حَقِّ أَهْلِ الْبَغْيِ، لَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى الْقِتَالِ التَّقَوِّي بِالْفِئَةِ وَالْمَنَعَةِ، فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ قَتْلُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ.
- وَإِنْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مَعْتُوهًا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا يَعْرِفُ قِتَالًا، وَلَا يَدْرِي مَا يَصْنَعُ بِهِ، وَلَكِنْ فِي يَدِهِ سَيْفٌ يَضْرِبُ بِهِ مَنْ دَنَا إلَيْهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَإِنِّي أُحِبُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَلَّا يَقْتُلُوهُ، وَلَكِنْ يَأْخُذُونَهُ أَخْذًا لِيَمْنَعُوهُ مِنْ ذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَيْسَ بِهِ قَصْدٌ إلَى الْقِتَالِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ قَتْلُ مَنْ يَكُونُ بِهِ الْقَصْدُ إلَى الْقِتَالِ، أَوْ يَكُونُ مِمَّنْ يَدْعُوهُ دِينُهُ إلَى ذَلِكَ، وَهَذَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَضْرِبُ مَنْ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْمُشْرِكِ، فَعَرَفْنَا أَنَّ دِينَهُ لَا يَدْعُوهُ إلَى ذَلِكَ، فَيَكُونُ حَالُهُ الْآنَ كَحَالِ الْبَهِيمَةِ، وَالْبَهِيمَةُ إذَا لَمْ تَقْصِدْ أَحَدًا، وَلَكِنَّهَا تَضْرِبُ كُلَّ