وَلَوْ أَنَّ مُسْتَأْمَنًا فِي دَارِ الْحَرْبِ خَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَأَهْلُ الْحَرْبِ لَا يَعْلَمُونَ بِهِ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِمْ فَلَمْ يَعْرِضُوا لَهُ، وَظَنُّوا أَنَّهُ عَلَى الْأَمَانِ الْأَوَّلِ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَقْتُلَهُمْ، وَيَأْخُذَ مَا بَدَا لَهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ بِوُصُولِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ قَدْ انْتَهَى حُكْمُ الْأَمَانِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، سَوَاءٌ عَلِمُوا بِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِذَا دَخَلَ إلَيْهِمْ بِغَيْرِ اسْتِئْمَانٍ جَدِيدٍ كَانَ حَالُهُ وَحَالُ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَأْمَنًا فِيهِمْ قَبْلَ هَذَا سَوَاءٌ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا بِذَلِكَ قَتَلُوهُ، وَأَخَذُوا مَالَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا لَا يَثْبُتُ لَهُمْ أَمَانٌ مِنْ جِهَتِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا كَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْخُرُوجِ، لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الْغَدْرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى قَائِمٌ مَا لَمْ يَعْلَمُوا بِخُرُوجِهِ.
قُلْنَا: لَا كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهُمْ بِخُرُوجِهِ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ أَلَّا يَغْفُلُوا عَنْهُ، حَتَّى لَا يُشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ خُرُوجُهُ، وَبَعْدَ انْتِهَاءِ الْأَمَانِ بِالْخُرُوجِ هُوَ مُحَارِبٌ لَهُمْ، وَالْحَرْبُ خَدْعَةٌ، فَظَنُّهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْأَمَانِ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَصْنَعَ بِهِمْ مَا يَصْنَعُهُ الْمُحَارِبُ.
2426 - وَكَذَلِكَ إذَا خَرَجَ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ.
لِأَنَّ الْأَمَانَ يَنْتَهِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ بِوُصُولِهِ إلَى مَنَعَةِ الْمُسْلِمِينَ، كَمَا يَنْتَهِي بِخُرُوجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْحَرْبِ أَخَذُوهُ حِينَ عَادَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ كُنْت؟ فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بَعْدُ، أَوْ قَالُوا