قوْله: «لَا أخيس بالعهد»، يُقَال: خاس فُلان وعده، أيْ: أخلفهُ، وخاس بالعهد: إِذا نقضه.

ثُمّ إِن الله سُبْحانهُ وَتَعَالَى كَمَا منع رد النِّساء إِلَيْهِم، أَمر بردِّ مَا أنْفق الْأزْوَاج عَلَيْهِنَّ إِلَيْهِم، فَقَالَ جلّ ذكره: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10]، وَالْمرَاد من النَّفَقَة: الصّداق.

واخْتلف أهْلُ الْعِلْمِ فِي أنّهُ هَل يجب الْعَمَل بِهِ الْيَوْم إِذا شَرطه فِي معاقدة الْمُشْركين؟ فَقَالَ قوم " لَا يجب ذلِك، وَزَعَمُوا أَن الْآيَة مَنْسُوخَة، وهُو قوْل عَطاء، وَمُجاهد، وَقَتَادَة، وَالزهْرِيّ، وبِهِ قَالَ الثّوْرِي، وهُو أحد قولي الشّافِعِي، وَذهب قوْمٌ إِلى أنّها غيْر مَنْسُوخَة، ويُردُّ إِلَيْهِم مَا أَنْفقُوا، يُروى ذلِك أيْضًا عنْ مُجَاهِد، وهُو القَوْل الآخر للشَّافِعِيّ، قَالَ: إِذا جَاءَت امْرَأَة حُرة من أهل الْهُدْنَة مسلمة، فإِن جَاءَ فِي طلبَهَا غيْر زَوجهَا، فَلَا يعْطى إليْهِ شيْء، وَإِن جَاءَ زَوجهَا فِي طلبَهَا، فإِن لمْ يكن دفع صَدَاقهَا، فَلَا يعْطى شيْئًا، وَإِن كَانَ دفع صَدَاقهَا إِليْها، رُدّ إليْهِ من بيْت المَال، وَلَو جَاءَ عبْد مِنْهُم مُسلما، فقدْ عتق، وَلَا يُردُّ إِلَيْهِم، فإِن جَاءَ سَيّده فِي طلبه، دفع إليْهِ قِيمَته.

وقوْله سُبْحانهُ وَتَعَالَى: {وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ} [الممتحنة: 10]، أيْ: فأسألوا أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ الّذِين ذهبت أزواجُهم إِلى الْمُشْركين مَا أنفقتم عَلَيْهِنَّ من الصّداق مِمَّن تزوجهن مِنْهُم، {وَلْيَسْأَلُوا} [الممتحنة: 10] يعْنِي: الْمُشْركين الّذِين لحقت أَزوَاجهم بكم مؤمنات مَا أَنْفقُوا من الْمهْر، فلمّا نزلت الْآيَة، أقرّ الْمُؤْمِنُونَ بِحكم الله، وأدوا مَا أمِروا بِهِ من نفقات الْمُشْركين على نِسَائِهِم، وأبى الْمُشْركُونَ ذلِك فَأنْزل الله عزّ وجلّ: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ} [الممتحنة: 11]، مَعْنَاهُ: إِن مَضَت امْرأة مِنْكُم إِلَيْهِم مرتدة، فعاقبتم، أيْ: أصبْتُم مِنْهُم عُقبى، وهِي الْغَنِيمَة، ظفرتم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015