قَالَ الإِمَامُ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الزَّانِيَيْنِ إِذَا كَانَ مُحْصَنًا دُونَ الآخَرِ أَنَّهُ يُرْجَمُ الْمُحْصَنُ، وَيُجْلَدُ غَيْرُ الْمُحْصَنِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا حُرًّا، وَالآخَرُ عَبْدًا، فَيُحَدُّ الْحُرُّ حَدَّ الأَحْرَارِ، وَيُحَدُّ الرَّقِيقُ حَدَّ الْعَبِيدِ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَوْ زَنَى عَاقِلٌ بِمَجْنُونَةٍ، أَوْ بَالِغٌ بِمُرَاهِقَةٍ، يَجِبُ الْحَدُّ عَلَى الْعَاقِلِ الْبَالِغِ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَجْنُونَةِ وَالْمُرَاهِقَةِ بِالاتِّفَاقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ مَكَّنَتْ عَاقِلَةٌ مِنْ مَجْنُونٍ، أَوْ بَالِغَةٌ مِنْ مُرَاهِقٍ، يَجِبُ الْحَدُّ عَلَيْهَا، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْبَالِغَةِ إِذَا مَكَّنَتْ مِنْ مَجْنُونٍ، أَوْ مُرَاهِقٍ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَبْدَأَ بِاسْتِمَاعِ كَلامِ أَيِّ الْخَصْمَيْنِ شَاءَ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الإِجَارَةِ، لأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ قَوْلَهُ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، وَقَدْ أَبْطَلَهَا قَوْمٌ، وَالأَكْثَرُونَ عَلَى جَوَازِهَا.

وَفِي قَوْلِهِ: «أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ إِلَيْكَ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْخُوذَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالصُّلْحِ الْفَاسِدِ مُسْتَحِقُّ الرَّدِّ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلآخَرِ.

وَفِي قَوْلِهِ: «فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِالزِّنَا عَلَى نَفْسِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ، وَلا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّكْرَارُ، كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالسَّرِقَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً يُقْطَعُ، وَلَوْ أَقَرَّ بِالْقَتْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً يُقْتَصُّ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُحَدُّ مَا لَمْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ الرَّأْيِ قَالُوا: يَنْبَغِي أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعِ مَجَالِسَ، فَإِذَا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، فَهُوَ كَإِقْرَارٍ وَاحِدٍ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015