فِي الْجَدِيدِ، وَمَذْهَبُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنْ يُصْلَحَ بَيْنَهُمْ بِالْعَدْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ تِبَاعَةً فِي دَمٍ وَلا مَالٍ، فَأَشْبَهُ هَذَا أَنْ تَكُونَ التِّبَاعَاتِ فِي الدِّمَاءِ وَالْجِرَاحِ، وَمَا تَلِفَ مِنَ الأَمْوَالِ سَاقِطَةً بَيْنَهُمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ، وَأُتْلِفَ فِيهَا أَمْوَالٌ، ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إِلَى أَنْ سَكَنَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ، فَمَا عَلِمْتُ اقْتُصَّ مِنْ أَحَدٍ وَلا أُغْرِمَ مَالا أَتْلَفَهُ.

وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ: مَا أَتْلَفَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ عَلَى الْعَادِلَةِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ، ضَمِنُوهُ، فَأَمَّا مَا أَتْلَفَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فِي غَيْرِ حَالِ الْقِتَالِ، فَيَجِبُ ضَمَانُهُ، مَالا كَانَ أَوْ نَفْسًا بِالاتِّفَاقِ.

وَمَنْ وَلَّى مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ ظَهْرَهُ فِي الْحَرْبِ هَارِبًا، لَا يُتْبَعُ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَثْخَنَ وَاحِدٌ، أَوْ أُسِرَ، فَلا يُقْتَلُ، نَادَى مُنَادِي عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ: أَلا لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ، وَلا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ، يُرِيدُ: لَا يُجْهَزُ عَلَيْهِ، أَيْ لَا يُقْتَلُ، وَأُتِيَ عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ بِأَسِيرٍ، فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: «لَا أَقْتُلُكَ صَبْرًا، إِنِّي أَخَافُ رَبَّ الْعَالَمِينَ»، فَخَلَّى سَبِيلَهُ.

قَالَ حَمَّادٌ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ: لَوْلا أَنَّ عَلِيًّا قَاتَلَ أَهْلَ الْقِبْلَةِ لَمْ يَدْرِ أَحَدٌ كَيْفَ يُقَاتِلُهُمْ.

وَإِذَا اسْتَوْلَى أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ، فَأَخَذُوا صَدَقَاتِ أَهْلِهَا لَا يُثْنَى عَلَيْهِمْ، وَيَنْفُذُ قَضَاءُ قَاضِيهِمْ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ عُدُولِهِمْ، وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الأَحْكَامُ فِي حَقِّهِمْ بِاجْتِمَاعِ ثَلاثِ شَرَائِطَ: أَحَدِهَا: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ لَهُمْ تَأْوِيلٌ مُحْتَمَلٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُنَصِّبُوا إِمَامًا بَيْنَهُمْ، فَلَوْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ هَذِهِ الشَّرائِطِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015