وَفِيه من الْفِقْه مُرَاعَاة الْكَفَاءَة فِي المناكح، وَأَن الدَّين أولى مَا اعْتبر مِنْهَا.

وَاخْتلف العلماءُ فِي تَحْدِيد الْكَفَاءَة، فَذهب أَكْثَرهم إِلَى أَنَّهَا بأَرْبعَة أَشْيَاء: الدَّين، وَالْحريَّة، وَالنّسب، والصنعة، وَالْمرَاد بِالدّينِ: الْإِسْلَام وَالْعَدَالَة، فَلَا يكون الْفَاسِق كفءًا للعفيفة، كَمَا لَا يكون الْكَافِر كفءًا للمسلمة، وَلَا العَبْد للْحرَّة، وَلَا الْمُعْتق للْحرَّة الْأَصْلِيَّة، وَلَا دنيء الحرفة لمن فَوْقه.

وَمِنْهُم من اعْتبر فِيهَا السَّلامَة من الْعُيُوب: وَهِي الْجُنُون، والجذام، والبرص، والجَبّ، وَإِن كَانَ فِي الرجل أحدُ هَذِه الْعُيُوب، فَلَا يكون كفءًا للْمَرْأَة البريئة مِنْهَا، وَمِنْهُم من يعْتَبر الْيَسَار أَيْضا، فَيكون جِمَاعهَا سِتّ خِصَال.

فَإِذا زُوِّجت امْرَأَة دون رِضَاهَا مِمَّن لَا يكون كفءًا لَهَا، لَا يَصح النِّكَاح، سَوَاء كَانَ المزوج أَبَا أَو غيرهُ، وَسَوَاء كَانَت الْمَرْأَة بَالِغَة أَو صَغِيرَة، وَإِن زَوجهَا وليُّها بِرِضَاهَا، صَحَّ النِّكَاح إِلا أَن تزوج مُسلمةٌ من كَافِر، فَلَا يَصح بِحَال.

أما الرجل إِذا نكح امْرَأَة دونه فِي الْكَفَاءَة، فَيصح، وَإِن كَانَ صَغِيرا، فَقبل لَهُ الْأَب نِكَاح أمة، لَا يَصح، وَكَذَلِكَ لَو قبل لَهُ نِكَاح مَعِيبَة بجنون، أَو جُذام، أَو برص، أَو رَتَق، لَا يَصح، وَإِن قبل لَهُ نِكَاح كِتَابِيَّة، أَو دَنيئة فِي النّسَب، فقد اخْتلف فِيهِ أَصْحَاب الشَّافِعِيّ.

وَذهب مَالِك إِلَى أَن الْكَفَاءَة فِي الدَّين وَحده، وأهلُ الْإِسْلَام كلهم بَعضهم أكفاء لبَعض، ويُروى مَعْنَاهُ عَنْ عُمَر بْن الْخَطَّاب، وَعَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُود، وَبِهِ قَالَ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ، وعُبيد بْن عُمَيْر، وَعُمَر بْن عَبْد الْعَزِيزِ، وَابْن عون، وَحَمَّاد بْن أَبِي سُلَيْمَان، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ: الْكَفَاءَة فِي الدَّين وَالنّسب، وَكَانَ يَقُول: إِذا نكح المَولى عَرَبِيَّة يفرّق بَينهمَا، وَهُوَ قَول أَحْمَد، ويُروى عَنِ ابْن عَبَّاس، وسَلمان، أَن المَولى لَا يكون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015