أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ، أنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْجَرَّاحِيُّ، نَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيُّ، نَا أَبُو عِيسَى، نَا أَبُو عَمْرٍو مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو الْحَذَّاءُ، أَنا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نَافِعٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا.
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، أَنَّهُ تُخْرَصُ الثِّمَارُ عَلَى أَرْبَابِهَا، فَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلاحِ فِي الْعِنَبِ وَالرُّطَبِ بَعَثَ الإِمَامُ خَارِصًا يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ، وَيَقُولُ: تُحَصَّلُ مِنْ هَذَا الرُّطَبِ كَذَا مِنَ التَّمْرِ، وَمِنْ هَذَا الْعِنَبِ كَذَا مِنَ الزَّبِيبِ، فَيُحْصِي عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، ثُمَّ يُخَلِّي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهَا يَصْنَعُونَ بِهَا مَا شَاءُوا، ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُمُ الْعُشْرَ بَعْدَمَا أَدْرَكَ وَجَفَّ، فَإِنِ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ نُقْصَانًا عَمَّا خَرصَ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
وَحُكِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: الْخَرْصُ بِدْعَةٌ.
وَأَنْكَرَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْخَرْصَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّمَا كَانَ يَخْرُصُ ذَلِكَ تَخْوِيفًا لِلْأَكَرَةِ، لِئَلا يَخُونُوا، فَأَمَّا أَنْ يَلْزَمَ بِهِ حُكْمٌ، فَلا، لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلَ بِهِ، وَالصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَجْوِيزِهِ.
وَقَوْلُهُمْ: هُوَ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ.
لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَرِ، كَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَحْصَرُ مِنْ بَعْضٍ، فَهُوَ كَتَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَالْحُكْمُ بِالاجْتِهَادِ.
وَإِنَّمَا يُسَنُّ الْخَرْصُ فِي النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ دُونَ الْحُبُوبِ، لِأَنَّ الْحُبُوبَ لَا تُؤْكَلُ رَطِبَةً، وَثَمَرُ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تُؤْكَلُ رَطِبَةً، فَتَتْلَفُ حُقُوقَ الْمَسَاكِينِ.