بَلِ انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِالْحُجَّةِ الَّتِي أَدْلَى بِهَا أَبُو بَكْرٍ، وَالْبُرْهَانِ الَّذِي أَقَامَهُ نَصًّا وَدَلالَةً.
وَفِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ دَلِيلٌ عَلَى تَصْوِيبِ رَأْيِ عَلِيٍّ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي زَمَانِهِ، وَأَنَّهُ إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَمَّا الْيَوْمَ فِي زَمَانِنَا إِذَا أَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضَ الزَّكَاةِ، وَامْتَنَعُوا مِنْ أَدَائِهَا، كَانُوا كُفَّارًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَؤُلاءِ وَبَيْنَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ حَيْثُ لَمْ يُقْطَعْ بِكُفْرِهِمْ، وَكَانَ قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الْحَقِّ مِنْهُمْ دُونَ الْقَصْدِ إِلَى دِمَائِهِمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا قَرِيبِي الْعَهْدِ بِالزَّمَانِ الَّذِي كَانَ يَقَعُ فِيهِ تَبْدِيلُ الأَحْكَامِ، وَوَقَعَتِ الْفَتْرَةُ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ جُهَّالٌ بِأُمُورِ الدِّينِ، لِحُدُوثِ عَهْدِهِمْ بِالإِسْلامِ، فَدَاخَلَتْهُمُ الشُّبْهَةُ، فَعُذِرُوا، وَأَمَّا الْيَوْمَ، فَقَدِ اسْتَفَاضَ عِلْمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ حَتَّى عَرَفَهُ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، فَلا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِتَأْوِيلٍ يَتَأَوَّلُهُ فِي إِنْكَارِهَا، وَكَذَلِكَ الأَمْرُ فِي كُلِّ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا مِمَّا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الأُمَّةُ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ إِذَا كَانَ عِلْمُهُ مُنْتَشِرًا، كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنابَةِ، وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ، وَنِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فِي نَحْوِهَا مِنَ الأَحْكَامِ، إِلا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ حَدِيثَ عَهْدٍ بِالإِسْلامِ، وَلا يَعْرِفُ حُدُودَهُ، فَإِذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْهَا جَهَالَةً لَمْ يَكْفُرْ، وَكَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ أُولَئِكَ الْقَوْمِ.
فَأَمَّا مَا كَانَ الإِجْمَاعُ فِيهِ مَعْلُومًا مِنْ طَرِيقِ عِلْمِ الْخَاصَّةِ، كَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا، وَأَنَّ قَاتِلَ الْعَمْدِ لَا يَرِثُ، وَأَنَّ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ، وَمَا أَشْبَهَ