أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْبَى.
وَالصِّنْفُ الآخَرُ مِنْ قَوْمٍ لَمْ يَرْتَدُّوا عَنِ الدِّينِ، لَكِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ، فَأَقَرُّوا بِالصَّلاةِ، وَأَنْكَرُوا فَرْضَ الزَّكَاةِ، وَزَعَمُوا أَنَّ الْخِطَابَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التَّوْبَة: 103] خَاصٌّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَرَضَتِ الشُّبْهَةُ لِعُمَرَ فِي قِتَالِ هَؤُلاءِ لِتَمَسُّكِهِمْ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ، وَهُؤَلاءِ فِي الْحَقِيقَةِ أَهْلُ بَغْيٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يُدْعَوْا بِهَذَا الاسْمِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، لِدُخُولِهِمْ فِي غُمَارِ أَهْلِ الرِّدَّةِ، فَأُضِيفَ الاسْمُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى الرِّدَّةِ، إِذْ كَانَتْ أَعْظَمَ الأَمْرَيْنِ، وَأَهَمَّهُمَا.
وَالرِّدَّةُ: اسْمٌ لُغَوِيٌّ يَنْطَلِقُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ مُقْبِلا عَلَى أَمْرٍ، فَارْتَدَّ عَنْهُ، وَقَدْ وُجِدَ مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الانْصِرَافُ عَنِ الطَّاعَةِ، وَمَنْعُ الْحَقِّ، وَكَانَ الاعْتِرَاضُ مِنْ عُمَرَ تَعَلُّقًا بِظَاهِرِ الْكَلامِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، يُرِيدُ أَنَّ الْقَضِيَّةَ قَدْ تَضَمَّنَتْ عِصْمَةَ الدَّمِ وَالْمَالِ بِإِيفَاءِ شَرَائِطِهَا، ثُمَّ قَايَسَهُ بِالصَّلاةِ، وَرَدَّ الزَّكَاةَ إِلَيْهَا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِتَالَ الْمُمْتَنِعِ مِنَ الصَّلاةِ كَانَ إِجْمَاعًا مِنْ رَأْيِ الصَّحَابَةِ، فَرَدَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إِلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، فَاجْتَمَعَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ الاحْتِجَاجُ مِنْ عُمَرَ بِالْعُمُومِ، وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ تَابَعَهُ عُمَرُ عَلَيْهِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعُمُومَ يُخَصُّ بِالْقِيَاسِ.
وَقَوْلُ عُمَرَ: «مَا هُوَ إِلا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ» إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الْمُوَافَقَةِ مُقَلِّدًا،