حميم فليخرج لافتقاده, فكانت المرأة تأتي بالسرير فتقف على زوجها أو أبيها أو أخيها، فتدخل به المدينة، فإذا أفاق داود في اليوم الثاني قال: يا سليمان, ما فعل عُبّاد بني إسرائيل؟ فيقول له سليمان: قد مات فلان وفلان وهلمَّ جرا. فيضع داود يده على رأسه وينوح ويقول: يا رب داود, أغضبان أنت على داود, حتى إنه لم يمت فيمن مات خوفًا منك أو شوقًا إليك؟ فلا يزال ذلك دأبه إلى المجلس الآخر، وأقام داود على ذلك ما شاء الله تعالى.
ولا يظنّ مما ذكرته من حال بني إسرائيل أنهم في ذلك أعلى من هذه الأمة، فأمَّا المزامير فحسبك ما ذكر من حال أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه، وأمَّا الموت من الموعظة شوقًا أو خوفًا فلنا فيه طريقان:
أحدهما: أن نقول: إن القوة التي أوتيتها هذه الأمة تقاوم الأحوال الواردة عليها فتتماسك الحياة، فلا تفنى القوة الجسمانية, بل القوة الروحانية والتأييدات الإلهية, فلفرط قوة هذه الأمة إن شاء الله تعالى تقارب عند سلفها الصالح ما بين حال سماع الموعظة وحال عدم سماعها؛ لتوالي أحوال الذكر وأطوار اليقين.